حالي لـ”إعلام تيفي”: إصلاحات المسطرة الجنائية مهمة لكنها غير كافية لتحقيق محاكمة عدالة

زوجال قاسم

يشكل دخول القانون الجديد للمسطرة الجنائية حيّز التنفيذ، محطة بارزة في مسار تحديث المنظومة القضائية بالمغرب، بالنظر إلى حجم المقتضيات التي حملها النص والمتعلقة أساساً بتدعيم ضمانات المحاكمة العادلة ورفع نجاعة العدالة الجنائية.

غير أن القراءة المهنية التي يقدمها عدد من الفاعلين في مجال الدفاع، ومن بينهم المحامي بهيئة وجدة أحمد حالي، تكشف أن هذه الإصلاحات، على أهميتها، ما تزال تتضمن جوانب تحتاج إلى مراجعة لضمان انسجامها الكامل مع متطلبات دولة الحق والقانون.

إصلاحات مؤسسة.. لكنها مشروطة بفعالية التطبيق

يرى حالي أن النص الجديد استجاب لعدد من المطالب الحقوقية التي طال انتظارها، وفي مقدمتها إشعار المشتكين بقرارات النيابة العامة داخل أجل محدد، وتقوية حضور المحامي خلال مرحلة البحث، وإعادة ضبط مساطر الحراسة النظرية باعتبارها تدبيراً استثنائياً لا يمكن اللجوء إليه إلا وفق ضوابط دقيقة.

وهي إجراءات حسب المحامي بهيئة وجدة، تُعد من منظور قانوني خطوة مهمة لضمان التوازن بين ضرورات البحث الجنائي، وصون الحقوق الفردية.

كما يشير المتحدث ذاته، إلى أن التنصيص على الحق في الصمت وإقرار إلزامية الفحص الطبي عند وجود آثار أو بطلب من الدفاع، إضافة إلى اعتماد التسجيل السمعي البصري في بعض القضايا، يعكس توجهاً نحو تكريس ممارسات أكثر شفافية خلال مرحلة البحث التمهيدي.

توسيع نطاق الصلح.. وتخفيف الضغط على القضاء

من جهة أخرى، يعتبر  حالي أن توسيع نطاق مسطرة الصلح، سواء باقتراح من الطرفين أو بمبادرة من النيابة العامة، أحد أبرز مظاهر التحول في السياسة الجنائية الجديدة، لما يوفره من بدائل عملية تقلل الضغط على المحاكم وتمكّن من حل النزاعات الجنحية بشكل ودي يراعي مصلحة الأطراف.

كما يشكل تقليص مدد الاعتقال الاحتياطي وتحديد ضوابط جديدة للمراقبة القضائية جزءاً من محاولة موازنة تكاليف الاعتقال مع ضرورة احترام قرينة البراءة.

ملاحظات مهنية تكشف فجوات النص

ورغم اعترافه بأن القانون الجديد يتضمن “تقدماً معتبراً” في عدد من الجوانب، يشير المحامي أحمد حالي إلى أن بعض المقتضيات تظل “محدودة الأثر” أو “غير مستوفية لشروط الفعالية”، وعلى رأسها ضيق نطاق التسجيل السمعي البصري بالمقارنة مع مشروع 2015 الذي كان أكثر شمولاً.

وحسب رؤيته لإصلاحات المسطرة الجنائية، فإن تقييد اللجوء إلى هذه الآلية قد يؤثر على مستوى توثيق مراحل البحث، ما قد يحدّ من القيمة الضمانية لهذا الإجراء.

كما يلفت الانتباه إلى تقليص اختصاص قضاء التحقيق، معتبراً أن هذا التوجه قد يقلل من دور هذه المؤسسة في ضمان التوازن بين سلطات البحث وإنصاف المشتبه فيهم، خصوصاً في الملفات المعقدة أو تلك التي تتطلب تدقيقاً معمقاً قبل الإحالة على القضاء.

وعلى ضوء هذه الملاحظات، كان يأمل حالي أن تتم إحالة القانون على المحكمة الدستورية لفتح نقاش أوسع حول مدى مطابقة بعض المقتضيات لمبدأ المحاكمة العادلة.

كما يعتبر أن التطوير التشريعي ينبغي أن يظل مفتوحاً على المراجعة، خاصة في المجالات التي تتعلق بحقوق الأفراد وحماية الحريات أثناء مراحل البحث والتحقيق.

نحو عدالة جنائية متوازنة

وبينما يقرّ المحامي بأن النص الجديد يشكل خطوة مهمة في مسار الإصلاح، يشدد في المقابل على ضرورة استكمال البناء القانوني بضمانات إضافية، سواء من خلال توسيع نطاق التسجيل السمعي البصري أو تعزيز دور قضاء التحقيق أو توفير وسائل تفعيل عملية أكثر صرامة لمساطر الحراسة النظرية.

فمن منظوره، يؤكد أن العدالة الجنائية لكي تكون ناجعة وتحترم المعايير الدولية، تحتاج إلى منظومة متوازنة تجمع بين فعالية البحث وحماية الحريات الفردية، وهي معادلة لا تزال، بحسب المتحدث ذاته، في حاجة إلى ضبط تشريعي أدقّ وتطبيق واقعي أكثر صرامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى