حقوقيون يطالبون بإبقاء الفضاء العمومي مفتوحاً للتعبير السلمي

حسين العياشي

أصدرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تقريراً تمهيدياً عن موجة احتجاجات “جيل زد” التي عمّت عدداً من مدن المملكة، كاشفاً عن حصيلة ثقيلة من الاعتقالات والأحكام. فبحسب المعطيات المعلنة في الرباط، بلغ عدد الموقوفين 2860 شخصاً أُحيلوا على العدالة؛ من بينهم 1880 ما يزالون رهن الاعتقال، و596 أُفرج عنهم، فيما صدرت أحكام بحق 233 آخرين. وتشدد الجمعية على أنّ هذه الأرقام تبقى مؤقتة، بالنظر إلى استمرار التوقيفات المتفرقة استناداً إلى مقاطع مصوّرة متداولة على الشبكات الاجتماعية أو إلى معطيات جمعتها الأجهزة الأمنية في الميدان.

تتبدّى قسوة العقوبات في نمط الأحكام الصادرة إلى حدّ الآن: أربع قضايا انتهت بالسجن خمسة عشر عاماً، وأخرى باثني عشر عاماً، و31 بعشر سنوات، و3 قضايا بستّ سنوات، وحالتان بخمس سنوات، فضلاً عن مئات الأحكام التي تراوحت بين سنة وثلاث سنوات. وقد طالت هذه العقوبات، في بعض المدن كالحسيمة، متابعين قاصرين، ما يضيف إلى المشهد بعداً أكثر حساسية وإيلاماً.

وتقف قضية القاصرين في قلب المخاوف التي يبديها التقرير؛ إذ يفيد بأنّ أكثر من 330 حدثاً يتابعون أمام القضاء، وأنّ بعضهم خضع للاستماع دون حضور أوليائهم أو ممثليهم القانونيين. ورغم أنّ عدداً منهم أُطلق سراحه وسُلّم إلى أسرته، فإنّ متابعة آخرين بتُّهم جنائية وُصفت بالخطيرة تثير، بحسب الجمعية، شبهة انتهاك صريح لحقوق الطفل التي تكفلها القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية.

وعلى مستوى التوزيع الجغرافي، يسجل التقرير في الرباط 192 حالة توقيف. وفي تمارة جرى اعتقال 95 شخصاً، صدر بحق تسعة منهم — بينهم شابة — حكم بالسجن سنة واحدة. وفي زاكورة أُحصيت خمسة ملفات، أحد أصحابها موقوف وأربعة مفرج عنهم. أمّا في بركان فتم توقيف 51 شخصاً، يتابع 11 منهم في حالة اعتقال؛ وقد نال ثلاثة شبّان أحكاماً بالسجن، اثنان لسنتين وواحد لسنة ونصف، فيما أُحيل 15 قاصراً إلى مؤسسات للرعاية الاجتماعية. وفي الدار البيضاء سُجّلت 80 عملية توقيف، يتابع 44 من أصحابها في حالة اعتقال، بينما تشير الجمعية إلى أنّ بعض الموقوفين رُبطت أسماؤهم بأحداث على الطريق السيار رغم وجود قرائن على عدم تواجدهم في مسرح الوقائع.

ويمتد نقد الجمعية إلى مسار الإجراءات القضائية منذ لحظة الوضع تحت الحراسة النظرية؛ إذ تؤكد أنّ أغلب الموقوفين قُدِّموا إلى النيابة العامة بعد احتجاز في ظروف صعبة، سواء أمام محاكم الدرجة الأولى أو الاستئناف، وأنّ كثيرين لم يتمكنوا من تعيين محامين للدفاع عنهم، بينما لم تُخبَر عائلات بعضهم بواقعة التوقيف إلا بعد أيام. ويضيف التقرير أنّ معايير المحاكمة العادلة لم تُحترم في حالات عديدة، سواء لجهة التحقيق المتعمّق في الاتهامات، أو احترام قرينة البراءة، أو فحص ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة، دون أن تُفتح بشأنها تحقيقات مستقلة.

وعلى ضوء ذلك، تحمل الجمعيةُ الحكومة كامل المسؤولية عمّا رافق الاحتجاجات من انتهاكات، بما فيها سقوط وفيات وحدوث أعمال عنف في صفوف المحتجين. وتدعو، بإلحاح، إلى فتح تحقيقات مستقلة ومحايدة لتحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات في حق كل من ثبت تورطه.

وفي خاتمة خلاصاتها، تؤكد الجمعية ضرورة الإعمال الفعلي للحقوق والحريات المضمونة بمقتضى المواثيق الدولية والقوانين الوطنية: حماية الحق في التنظيم والتعبير، وصون حرية التظاهر السلمي من دون قيود تعسفية، والتزام أجهزة إنفاذ القانون بمبادئ الشرعية والضرورة والتناسب بما يصون الكرامة الإنسانية. كما تناشد بالإفراج عن جميع المعتقلين على خلفية الاحتجاجات السلمية، بمن فيهم معتقلو «حراك الريف» وكل من جرى اعتقاله بسبب آرائه. بهذه الرسالة، تسعى الجمعية إلى إعادة وضع بوصلة النقاش في اتجاه حكم القانون، وضمان أن تبقى ساحات التعبير العام مجالاً مفتوحاً للحقوق لا ميداناً للعقاب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى