
إعلام تيفي
في تحقيق استقصائي نشرته منصة “هوامش” ، كشفت هذه الأخيرة عن وجود شبكة رقمية منظَّمة تُدير حملات تأثير سياسي داخل المغرب لصالح الحزب المتزعم للأغلبية الحكومية.
وتعمل هذه الشبكة وفق أساليب الدعاية الحاسوبية (Computational Propaganda) بهدف صناعة رأي عام زائف، والتأثير في النتائج الانتخابية، ونشر معلومات مضلِّلة، إضافة إلى استهداف الخصوم السياسيين.
التحقيق الذي نشر بالمنصة ، سجل بأن الشبكة تضم أكثر من 140 حسابًا على مواقع التواصل، معظمها وهمية، وتعمل بشكل منسق منذ ما يقارب خمس سنوات.
حسابات بهوية منتحلة
وتعتمد هذه الحسابات على انتحال الهوية باستخدام صور مسروقة من الإنترنت أو صور مشاهير، أو حتى صور أشخاص مغاربة حقيقيين، من بينهم الناشط وليد شرو الذي استُغلت صورته في حساب يحمل اسم “عصام البحري”.
كما تعتمد الشبكة على نصوص دعائية جاهزة تُنشر بطريقة النسخ واللصق (Copy-Paste) في التعليقات على صفحات الصحف وحسابات الحزب، بهدف تضخيم السردية الداعمة للأغلبية الحكومية.
وتُدار العملية بطريقة وصفها التحقيق بـ”المُمنهَجة”، حيث تعمل الشبكة على شكل عناقيد من الحسابات تتناوب على نشر الرسائل المحددة بسرعة كبيرة، تصل أحيانًا إلى أربعة منشورات مختلفة في دقيقة واحدة، وذلك لتفادي تكرار النص نفسه في المنشور الواحد.
ولا تُظهر هذه الحسابات أي نشاط طبيعي، بل تقتصر على المحتوى الدعائي المنسق.
التأثير على الانتخابات التشريعية الجزئية بدائرة فاس الحنوبية
ومن أبرز حملات التأثير التي نفذتها الشبكة، تلك المرتبطة بالانتخابات التشريعية الجزئية بدائرة فاس الجنوبية (أبريل 2024)، حيث شنّت الشبكة حملة مكثفة لدعم مرشح حزب التجمع الوطني للأحرار خالد العجلي.
وقامت جهات محسوبة على الأغلبية، بينها عضو بالحزب، باقتطاع وتعديل مقطع من خطاب لعبد الإله بنكيران حول كلمة “المحششين”، ونشره خارج سياقه بهدف إثارة غضب سكان فاس والسخرية من بنكيران.
وتولّت حسابات وهمية، مثل حساب “Fatine Sabrine”، تعزيز انتشار المقطع في مجموعات محلية بفاس مع تعليقات ساخرة تصف بنكيران بـ”المجنون”، وكانت النتيجة أن فاز مرشح الأغلبية، ما يعزز المؤشرات على تأثير الحملة الرقمية المنظمة.
و قادت الشبكة حملات منظمة للترويج لمعطيات غير صحيحة حول الأداء الحكومي، من بينها الادعاء في شتنبر 2024 بأن أسعار اللحوم “تراجعت بشكل كبير” بفضل إجراءات الحكومة، وهو ما فنّدته لاحقًا معطيات مجازر الدار البيضاء التي أظهرت عدم صحة هذه المزاعم.
الحسابات الوهمية عمقت أزمة طلبة الطب
خلال مقاطعة طلبة الطب والصيدلة لامتحانات يونيو 2024، كشف التحقيق أن 62.40% من التعليقات على منشورات الصحف جاءت من حسابات وهمية. كما تبين أن مجموعة تضم 60 حسابًا وهميًا شاركت في نشر خطاب موحد يصف قرار الطلبة بـ”التمرد”، مطالبينهم بالعودة إلى المدرجات.
بيانات متعلقة بالحملة الانتخابية التشريعية 2021
وذهب التحقيق الاستقصائي إلى حد أنه تم الوصول إلى بيانات تعود إلى فترة الحملة الانتخابية التشريعية بالمغرب في شتنبر 2021، والتي تصدرها حزب التجمع الوطني للأحرار، وفاز على إثرها برئاسة الحكومة.
وأظهرت عينة من البيانات التي استطاعت المنصة توثيقها وتحليلها، وجود نمط نشر يصعب على المستخدم العادي القيام به، فبعد فحص نحو 598 منشوراً، تبين أن مجموعة من الحسابات استطاعت تحقيق وتيرة نشر سريعة جداً؛ فمثلاً نشر حساب بعينه النص ذاته في التعليق على أربعة منشورات، في صفحات مختلفة خلال دقيقة واحدة.
وبتعميق البحث حول عملية التنسيق بين الحسابات، اتضح أن الشبكة تتخذ شكلاً عنقودياً، فتتكون كل عقدة من عدة حسابات، وتتناوب هذه الحسابات على نشر قائمة من النصوص المحددة، حتى لا يتكرر نشر النص ذاته في المنشور الواحد من حسابين مختلفين.
مخالفة قانونية
وتحدث التحقيق عن مصادقة مجلس الحكومة، وتحديداً يوم 20 أكتوبر 2025، على مشروع القانون رقم 53.25، الذي يقضي بتغيير و”تتميم” القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب؛ وتنص المادة 40 على أنه يعاقب بغرامة مالية من خمسين ألف درهم إلى مئة ألف درهم : “كل شخص قام بنشر إعلانات سياسية أو منشورات انتخابية مؤدى عنها على منصات أو مواقع إلكترونية أجنبية”.
كما أدرج مشروع القانون 55.25 شبكات التواصل وأدوات الذكاء الاصطناعي ضمن تعريفه لاستطلاع الرأي في المادة 115، ونص على منع استخدامها خلال الحملة الانتخابية، طوال فترة الـ 15 يوماً قبل يوم الاقتراع.
وباستثناء التغيير الجديد في المادة 40 من مشروع القانون، المتعلقة باستخدام الإعلانات الممولة على المنصات والمواقع الإلكترونية الأجنبية، ونص المادة 51، المتعلق باستعمال منصات التواصل الاجتماعي، وأدوات الذكاء الاصطناعي، والأنظمة المعلوماتية، لنشر وتوزيع الأخبار الزائفة، أو غير ذلك من طرق التدليس، بغرض التأثير على الناخبين أو دفعهم للإمساك عن التصويت، لم يرد أي نص قانوني يتعلق باللجوء إلى شركات خاصة أو لشبكات الحسابات الوهمية، لتنفيذ حملات منسقة لتضخيم المنشورات، وقيادة دعاية حسابية (Computational Propaganda)، وترويج معلومات مضللة لصالح فاعلين سياسيين.
تجييش قوات سيبيرانية للتأثير السياسي
ووفق تقرير معهد الإنترنت بجامعة أكسفورد (Oxford Internet Institute)، لعام 2020، بشأن “الجرد العالمي لحملات التلاعب المنظمة على وسائل التواصل الاجتماعي”، منذ سنة 2018، ظهرت أكثر من 65 شركة تقدم خدمات التلاعب المعلوماتي كخدمة تجارية للفاعلين السياسيين.
ورصد التقرير نشاط هذه “القوات السيبرانية” في 81 دولة، حيث تعمل لصالح أنواع متعددة من الفاعلين السياسيين، من أجل نشر الدعاية السياسية على الإنترنت.
وأوضح التقرير أن عمليات التأثير السياسي عبر الإنترنت أصبحت مؤسسة ومُمَنهجة، تُدار من خلال فرق متخصصة وميزانيات حكومية أو حزبية، وتستهدف الانتخابات، والأزمات السياسية، والاحتجاجات الاجتماعية، وأحياناً العلاقات الدولية، فيتم الاعتماد على الحسابات المدارة آلياً أو بشرياً، سواء كانت حقيقية أو مزيفة، لتضخيم روايات معينة، وفي الوقت نفسه تعمل على إغراق روايات أخرى وإضعافها.
وبحسب تقرير لشركة ميتا سنة 2021، حُذف 385 حساباً وست صفحات على فيسبوك، كانت تنشط أساساً من المغرب، وتستهدف جمهوراً محلياً، وتسعى إلى تضليل الناس، بالاعتماد على حسابات مزيفة.





