حمى الاحتجاجات..الحكومة في مواجهة تدني مؤشر الثقة

 

ملف أسبوع إعلام تيفي : أعدته بشرى عطوشي

 

تبدو ظاهريا أن الأوضاع الاجتماعية هادئة نسبيا، ويبدو أن الحكومة لا تعير اهتماما لما يجري من مياه تبدو ظاهريا هادئة.  فبمجرد أن انقضت أزمة قطاع التعليم ونسبيا قطاع الصحة، وبمجرد أن لمست الحكومة هبوط مؤشر التضخم، وتركت أزمة كوفيد في الخلف،  يبدو أنها لا تستشعر أن استمرار ارتفاع الأسعار والمس بالقدرة الشرائية للمواطنين، قد أخذ مأخذه من جيوب المغاربة الأجراء والموظفين في جميع القطاعات، وهو الأمر الذي سيؤثر بشكل كبير على الإنتاجية والخدمات في قطاعات حيوية على غرار الصحة والعدالة والجماعات الترابية وغيرها.

وإن بدت بداية سنة 2024 بداية هادئة، يبقى تدني القدرة الشرائية في فئات “الطبقة الوسطى”، مؤشرا كبيرا على أن عدوى الاحتجاجات تنتقل تدريجيا لعدد مهم من القطاعات، وتهدد السلم الاجتماعي.

هل تستشعر الحكومة هذه الحمى أم أنها لا تبالي؟ وهل تنتظر أن يصل الأمر إلى شلل قطاعات حيوية، على غرار ما وقع بالتعليم؟ أم تعتقد بأن تجاهل مثل هذه الأمور سيعيد الأمور إلى نصابها ويدفع بالجميع إلى الرضى بالأوضاع كما هي؟

 

الحكومة تضع نقطة نهاية لنظام التعاقد 

بعد أزيد من ثلاثة أشهر من المفاوضات مع الأساتذة، نجحت الحكومة نوعا ما في إخراج قطاع التربية الوطنية من عنق الزجاجة، من خلال وضع نقطة نهاية لنظام التعاقد، ملخصة الأزمة كلها في هذه النقطة، على أمل تدارس نقاط نظام أساسي موحد في مجلس حكومي مقبل.

ففي ندوة صحافية أعقبت اجتماعا للمجلس الحكومي، خرج الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس بتصريح يعلن من خلاله طي ملف نظام التعاقد، وقال: “تم طي هذا الملف، وفقا للحوار المؤسساتي، وسنزيل مصطلح “الأطر النظامية” بتغيير القانون رقم 07.00 بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين”، مؤكدا أن “الحكومة هكذا تكون قد أنهت المشكلة وأسّست لشراكة جديدة مع رجال ونساء التعليم لاستكمال الإصلاح الذي ننشده جميعا في إطار هذه التحولات الكبيرة التي يعرفها البلاد”.

قبل هذا الموضوع بشهور بدت وكأنها تحيل على سنة بيضاء بقطاع التعليم، كان الأساتذة بالقطاع العمومي يملؤون شوارع الرباط احتجاجا على نظام أساسي أخرجه وزير التربية الوطنية والرياضة شكيب بنموسى، معتبرين إياه استفزازا واستعبادا.

فقد أخرجت مضامين النظام الأساسي المذكور لموظفي قطاع التربية الوطنية أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي للاحتجاج، مطالبين بمراجعة بعض بنوده، خاصة ما يتعلق بنظام التعويضات وبعض العقوبات التي تضمنها، مع الزيادة في الأجور.

وبعد الكثير من التردد في حل هذه الأزمة وجلوس مع المعنيين بالأمر على طاولة الحوار، وصلت الحكومة إلى أنه لا مجال للتعنت في هذا السياق، خصوصا وأن بواذر احتجاجات التلاميذ وأولياء التلاميذ بدأت تلوح في الأفق مع انقطاع أبنائهم عن الدراسة.

في هذا الشأن خلصت الحكومة إلى تهدئة الوضع الذي بدا للبعض في الأسرة التعليمية أنه مجرد در للرماذ في العيون، وتم التوافق على إخراج نظام أساسي جديد، والإنهاء مع نظام التعاقد الذي كان أيضا نقطة هامة لتلطيف الأجواء المشحونة.

إلا أن الوصول إلى حل في نهاية المطاف وبعد انقطاع للتلاميذ عن دراستهم، دام فترة ثلاثة أشهر، وجد آباء التلاميذ نفسهم أمام مشكل ضيق الوقت للتحصيل ومباشرة الامتحانات.

فخلال هذه الفترة التي توقف فيها التلاميذ عن الدراسة، كان بعض الآباء يأخذ من المصروف اليومي ليدفع لحصص المراجعة، ومن الآباء من توجه خلال فترة التوقف عن الدراسة إلى القطاع الخاص، رغم ضيق ذات اليد، حتى لا يترك إبنه عرضة للضياع في الشوارع، ومن الآباء من ترك الوضع على ما هو عليه وهو يعلم بأن أبناءه سيواجهون صعوبة في التحصيل وإنهاء السنة بمستوى ضعيف.

رئيس الحكومة أخنوش، وهو يتحدث في جلسة عمومية للمساءلة الشهرية بمجلس النواب، خصصت مؤخرا لمناقشة موضوع “المنظومة التعليمية”، استحضر مجموعة من الأرقام التي لا تخفى عن المواطن، ونسي بأن هذه الأرقام المخيفة في قطاع التعليم إنما هي تحصيل حاصل لقرارات ارتجالية لحكومات سبقت، ولابد أن ترتفع هذه الأرقام هذه السنة أيضا بسبب “هفوات” الحكومة الحالية..

 

خروج الممرضين وتقنيي الصحة للشارع

في يناير الماضي خرج ممرضون وممرضات وتقنيو الصحة، المنضوين تحت لواء النقابة المستقلة للممرضين، إلى الشارع احتجاجا  العرض الحكومي المطروح، ومطالبين بـ”العدالة الأجرية”.

وخرجت جموع “ملائكة الرحمة” تعبيرا عن رفضها القاطع لما وصفته بـ”العرض الحكومي الهزيل والكارثي”، رغم رفعه من 800 درهم إلى 1500 درهم كزيادة في الأجور.

ويعزو أصحاب الوزرة البيضاء احتجاجاتهم وإضراباتهم إلى ما وصفوه بـ”تهميش” مطالب الممرضين وتقنيي الصحة من الحوار الاجتماعي القطاعي، مشيرين إلى أن هذه الفئة من المهنيين تشكل أزيد من 60 في المائة من مجموع مهنيي قطاع الصحة بالمغرب.

وينتقد الممرضون “سياسة الإقصاء الممنهج الذي طال الممرض لأكثر من عقد ونصف بدءا باتفاق 2006 الذي يعرف بين الأوساط التمريضية باتفاق 100 درهم  وصولا لاتفاق فبراير 2022”.

وتطالب المصادر ذاتها بزيادة في الأجر الثابت بما لا يقل عن 3000 درهم، وذلك من خلال “الإنصاف في التعويض عن الأخطار المهنية ومراجعة تعويضات التأطير والأعباء التمريضية” كما تطالب بـ”مراجعة وتوحيد شروط الترقي وجبر ضرر جميع الممرضين وتقنيي الصحة ضحايا المراسيم والقوانين السابقة”.

يشار إلى أن وزارة الصحة والحماية الاجتماعية المغربية كانت قد وقعت في فبراير من سنة 2022، على اتفاق مع النقابات الممثلة في القطاع وذلك بعد سلسلة من جلسات الحوار الاجتماعي القطاعي التي “تكللت بالتوافق حول عدد من الملفات المطلبية ذات الأولوية”، وفق ما جاء في بلاغ لرئاسة الحكومة حينها والذي أكد  أن  الاتفاق “سيمكن من تحسين الأوضاع المهنية والاجتماعية لموظفي القطاع”.

وقد رفضت “النقابة المستقلة للممرضين” والتي كانت مشاركة في جلسات الحوار حينها التوقيع على محضر الاتفاق المذكور معتبرة أنه “غير منصف لها”، ورفعت منذ ذلك الحين مجموعة من الرسائل الاحتجاجية لرئيس الحكومة ووزير الصحة، آخرها رسالة وجهتها لهما خلال دجنبر من سنة 2023 دعت فيها  إلى “الاستجابة العاجلة للمطالب المادية المشروعة للممرضين وتقنيي الصحة”.

بالمقابل هذا فعلته وزارة الصحة

بعدما أثار الموضوع احتجاجات في السنوات الأخيرة، وفي ظل الفشل الذريع لوزارة التربية الوطنية في منظومة التشغيل بالتعاقد والتي شكلت في واقع الأمر قنبلة موقوتة، قررت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية التخلي بشكل نهائي عن هذا النمط من التوظيف واستبعاده من استراتيجية التشغيل التي تعتمدها.

الاتفاق الأخير مع المركزيات النقابية، خلف ارتياحا كبيرة لدى الشغيلة خاصة أن هذا النمط من التوظيف بالتعاقد كان سيفتح القطاع على أبواب الفوضى، في وقت ترفع الدولة التحدي من أجل إنجاح برامج استراتيجية وذات أولوية، وعلى رأسها تعميم الحماية الصحية وتطوير القطاع الصحي.

وعلى الرغم من ذلك

ورغم ذلك، ينتظر أن تشهد الأيام القادمة موجة احتجاجات من أجل تسريع الاستجابة لمطالب موظفي الصحة، ولاسيما فئة الممرضين التي يبدو أنها خرجت خاوية الوفاض من مختلف الحوارات الاجتماعية خلال السنوات الأخيرة.

وتحاول الوزارة استباق هذه الاحتجاجات والإضرابات من خلال مجالسة النقابات وتقويتها بالاتفاق العام الذي تم التوقيع عليه، وهو الأمر الذي تتوخى من خلاله وزارة الصحة جعل النقابات في موقع قوة، وإضعاف سيناريوهات تشكيل تنسيقيات على غرار ما يجري في قطاع التعليم.

موظفو الجماعات الترابية يهددون بالتصعيد

أسبوعا واحدا فقط بعد تأكيد وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، أن الوزارة مستعدة للحوار مع نقابات موظفي الجماعات المحلية رد هؤلاء بإضراب جديد عن العمل، مع وقفة احتجاجية الأربعاء الماضي 7 فبراير 2024 تخللتها شعارات تدعو إلى “التصعيد” في حال استمر توقف الحوار.

ويحمل التنسيق النقابي ذاته وزارة الداخلية مسؤولية الاحتقان الذي يشهده قطاع الجماعات المحلية، بسبب ما يؤكدونه “رفض الوزارة الاستجابة لمطالب الشغيلة الجماعاتية والإقرار بمشروعية مواقفها المستمدة من أحكام الدستور والقوانين المؤطرة لحقوق وحريات موظفي الجماعات الترابية، وأجَراء التدبير المفوض”.

وفي وقت شدد وزير الداخلية على أن الوزارة لن تجلس إلى طاولة الحوار مع النقابات طالما أن إضرابات الموظفين مستمرة، تتشبث النقابات بالجلوس إلى طاولة الحوار، معتبرة أن الإضراب “حق مشروع يكفله الدستور”.

وعلاوة على إخراج نظام أساسي محفز وملفات حملة الشهادات، وشغيلة قطاع التدبير المفوض، وخريجي معاهد التكوين والإدارية والتقنية، تطالب النقابات الوزارة بحذف السلالم الدنيا، وتحسين وضعية عمال الإنعاش الوطني، وتطوير عمل جمعية الأعمال الاجتماعية.

غضب العدول يخرجهم للشارع

يستعد عدول المغرب بدورهم لخوض إضراب وطني جديد، ل48ساعة، احتجاجا على التراكمات التي يعرفها القطاع، والهدر التشريعي الذي تمارسه وزارة العدل.

وتندد الهيئة الوطنية للعدول، بما أسمته الهدر التشريعي الذي تمارسه وزارة العدل، مشيرة إلى أنها ومنذ العام 2010 في حوار مفتوح مع الوزارة، والذي لم يأتي بأي نتيجة، حيث أنه وكل ولاية يتم خلق مشاكل وعراقيل جديدة من أجل عرقلة مسار تعديل قانون المهنة.

واشتكى عدول المغرب، مشكل ملاءمة قانون المهنة مع الدستور، مشيرين إلى أن بعض القطاعات الحكومية، قطعت أشواط مهمة في جودة الخدمات المقدمة (التسجيل الالكتروني للعقود لدى ادارة التسجيل والتنمر نموذجا) بخلاف وزارة العدل.

وطالبت الهيئة الوطنية للعدول، بتنزيل توصيات إصلاح منظومة العدالة، وعلى رأسها التوصية 52 التي دعت إلى مراجعة المقتضيات القانونية المتعلقة بودائع المتعاملين مع المهن القانونية والقضائية بما يضمن تحصينها.

وأكدت الهيئة، على ضرورة تدخل الحكومة لملاءمة قانون مهنة التوثيق العدلي مع الدستور، وتنزيل توصيات إصلاح منظومة العدالة، ورفع الحيف التشريعي الذي يعانيه العدول.

وأعلنت هيئة العدول بالمغرب، عزمها خوض إضراب وطني يوم الخميس والجمعة 15 و16 فبراير الجاري، مرفوق بوقفة احتجاجية أمام مقر وزارة العدل، ثاني أيام الإضراب، ابتداء من الساعة 11 صباحا.

 

المواطن يفقد البوصلة في دوامة الاحتجاجات

في ظل كل ما سبق ذكره، وفي ظل هذه الأزمات القطاعية التي لا يبدو أنها زائلة، يبقى المواطن هو أول من يدفع ثمن هذه الاحتجاجات، على غرار معاناته من غياب الأساتذة بسبب الاحتجاجات السابقة، التي أدت إلى تأخير البرنامج الدراسي، وغياب ممرض أو موظف جماعي أو تكرار إضرابات في قطاعات حيوية، من شأنها تأخير مصالح كثير من المواطنين.

إذا تكررت الاحتجاجات والحكومة تشارف على نهاية نصف ولايتها، فهذا يعني أن هناك اختلالات كبرى، لم تعرها الحكومة اهتماما بالغا، في وقت ترى فيه أنه تسير في الطريق الصحيح.

أن يواجه المواطن إضافة إلى كلفة العيش الباهظة، خدمات هزيلة بسبب استمرار الاحتجاجات بقطاعات حيوية، فهذا الأمر ينضاف إلى باقي أوجه القصور في العمل الحكومي.

وفي انتظار تحديد تاريخ جديد لجولة الحوار الاجتماعي التي كانت مقررة في نونبر الماضي، لكن تم تعليقها بسبب احتجاجات أسرة التعليم، تبقى مطالب الأجراء في كل القطاعات حسب ما استقيناه من مصادر نقابية، مرتكزة على تحسين الدخل من خلال التخفيض الضريبي عن الأجور، وضرورة مناقشة هامش ممارسة الحريات النقابية وحق الإضراب.

ولامتصاص غضب الشارع وإعادة ترتيب الأمور في الإدارات والمؤسسات، بات من المفروض التعجيل بإيجاد حلول كفيلة ترقى وانتظارات المواطن المغربي.

إن أزمة جائحة كوفيد لازالت تنزل بثقلها، إضافة إلى الغلاء وارتفاع البطالة، وقلة فرص الشغل، والتضخم الذي بات يهدد الأسواق مع اقتراب حلول شهر رمضان، كلها عوامل تهدد السلم الاجتماعي.

تدني مؤشر الثقة..تدني مستوى عيش المغاربة

 

في تقريرها الأخير، سجلت المندوبية السامية للتخطيط، تراجع مؤشر هذه الثقة إلى 44.3 نقطة، وهو مستوى اعتبرته المندوبية الأدنى من نوعه منذ شروعها في إجراء بحوث حول ظرفية الأسر في سنة 2008.

ومن تجليات تدني هذه الثقة، تصريح 87 في المائة من الأسر بتدهور مستوى معيشتها خلال الأشهر الاثناعشرة السابقة، مقبل نسبة 9.2 في المائة قالت باستقرار هذا المستوى، بينما نسبة 3.8 في المائة فقط من الأسر، صرحت بتحسن مستوى معيشتها.

يأتي ذلك في الوقت الذي اضطرت نسبة 42.1 في المائة من الأسر إلى استنزاف مدخراتها أو إلى الاقتراض، بينما عبرت نسبة 56.1 المائة فقط من الأسر عن تمكنها من تغطية مصاريفها، بينما تمكنت نسبة 1.8في المائة من الأسر من ادخار جزء من مداخيلها.

هذا التشاؤم ،سيلازم الأسر حتى خلال الأشهر الاثنا عشرة المقبلة، إذ عبر أكثر من نصف الأسر عن تدهور مستوى معيشتها، مقابل نسبة 33.2 في المائة من الأسر، صرحت باستقراره، بينما رجحت نسبة 8.9 في المائة فقط تحسنه.

في ظل هذا التشاؤم وفي غياب خطوات جادة لوضع حد لاستنزاف جيوب المواطنين، لا يمكن لعمل الحكومة الذي تراه إنجازا كبيرا أو ما تسميه ب “إرساء الدولة الاجتماعية ” أن يكون عملا وإنجازا مهما أمام المعاناة اليومية لملايين المغاربة الذين تدهور مستواهم المعيشي واندحر في ظل القضاء على الفئة المتوسطة، التي ذهبت ادراج الرياح بتعاقب الحكومات.ال

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى