حفظي ل”إعلام تيفي”:”مأسسة التقييم واستعادة الثقة أولويات المغرب على رأس شبكة البرلمانيين الأفارقة”(حوار)

فاطمة الزهراء ايت ناصر 

انتخب عبد الإله حفظي، عضو مجلس المستشارين، رئيسا لشبكة البرلمانيين الأفارقة لتقييم التنمية لولاية 2025–2027، خلال أشغال الدورة العاشرة للجمعية العامة التي احتضنتها مدينة العيون بمشاركة وفود برلمانية إفريقية رفيعة.

وفي الجلسة الختامية، وجه حفظي باسم أعضاء الشبكة برقية ولاء وشكر إلى الملك محمد السادس تقديرا للرعاية الملكية التي واكبت هذا الحدث القاري، ولما عاينه البرلمانيون من دينامية تنموية نوعية تعرفها جهة العيون الساقية الحمراء، كما أسفرت العملية الانتخابية عن تشكيل مكتب تنفيذي جديد ضم شخصيات برلمانية من الكاميرون والبنين، ما يعكس الثقة التي يحظى بها المغرب داخل هذه المنصة الإفريقية.

وعلى هامش هذا الحدث قامت “إعلام تيفي” بحوار مع عبد الإله حفظي، إليكم نص الحوار:

توليكم رئاسة شبكة البرلمانيين الأفارقة لتقييم التنمية يدخل في ظرفية إقليمية ودولية دقيقة. ما هي خارطة الطريق التي ستعتمدونها خلال ولايتكم 2025–2027؟ وما الأولويات التي ستقودون بها عمل الشبكة؟

بالفعل، انتخاب المغرب لرئاسة هذه الشبكة يمثل مسؤولية مضاعفة وفرصة لإبراز النموذج المغربي في ترسيخ ثقافة التقييم، يأتي في لحظة مفصلية بالنسبة للقارة الإفريقية، حيث تحتاج دولنا أكثر من أي وقت مضى إلى تعزيز آليات الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة.

لذلك، فإن أولويتنا الأولى تتمثل في مأسسة ثقافة التقييم داخل البرلمانات الإفريقية، عبر إدماجها في عمل اللجان الدائمة، وتعزيز تكوين البرلمانيين في هذا المجال، وتطوير الأدوات التي تسمح بقياس أثر السياسات على التنمية المستدامة.

أما الأولوية الثانية، فهي إحداث مرصد برلماني إفريقي لتقييم التنمية، سيكون منصة مركزية لتبادل الخبرات والتجارب، ولإنتاج المعرفة المشتركة بين برلمانات القارة، وهذا المرصد سيسمح بتوحيد الجهود، ويمنح البرلمانات أدوات تساعدها على تقييم السياسات بطرق علمية وموضوعية، كما سيتيح قاعدة بيانات إفريقية تسهل اتخاذ القرارات المبنية على الأدلة.

والأهم من ذلك، أننا سنعمل على تعزيز التعاون جنوب–جنوب، انسجاما مع الرؤية الملكية المغربية، وإعطاء مكانة خاصة للتجربة المغربية التي أثبتت قدرتها على الجمع بين الاستقلالية المؤسساتية والشراكات الدولية.

● ما القيمة المضافة التي سيقدمها المغرب لهذه الشبكة الإفريقية؟ وما هي الرسالة التي توجهونها للبرلمانيين الأفارقة بعد انتخابكم رئيسا لهم؟

المغرب يدخل هذه التجربة وهو يحمل معه رصيدا مهما في مجال الرقابة وتقييم السياسات العمومية، سواء من خلال عمل البرلمان أو من خلال الدعم الذي يوفره المجلس الأعلى للحسابات وباقي المؤسسات الدستورية.

نحن لا نريد تقديم تجربة جاهزة، بل نريد تقاسم خبرة وطنية تراكمت عبر سنوات، وتتميز بالنجاعة والواقعية وبالقدرة على تحويل التوصيات إلى قرارات تنفيذية.

رسالتي للبرلمانيين الأفارقة هي أن التقييم ليس ترفا فكريا أو ممارسة ثانوية، بل هو العمود الفقري لكل تنمية حقيقية، بدون تقييم لا يمكن معرفة أين ننجح وأين نفشل، ولا يمكن توجيه السياسات نحو ما يخدم المواطن ويعزز كرامته،الشبكة اليوم أمام فرصة تاريخية لكي تكون قوة فاعلة داخل القارة، ونحن ملتزمون بقيادة مرحلة عنوانها الكبير، تقييم يخدم المواطن، ويعيد الثقة، ويبني تنمية مشتركة ومستدامة.

● ما هو جوهر مفهوم التقييم؟

التقييم في نظرنا ليس عملية إدارية تمارس على الورق أو مجرد خطوة شكلية تنجز لاستكمال مسطرة معينة، بل هو في جوهره إنتاج للمعرفة العلمية الدقيقة حول أداء السياسات العمومية ومدى قدرتها على تحقيق الأهداف التي وُضعت لها.

التقييم أداة علمية وسياسية في الآن ذاته، تستهدف تتبع السياسات العمومية منذ تصميمها إلى لحظة قياس أثرها الحقيقي على المواطن، بما في ذلك كلفة تنفيذها ودرجة تحقيقها للأهداف المتوخاة. ومن هذا المنطلق، يدعو إلى إحياء النقاش العلمي حول التقييم كمدخل لاستعادة ثقة المواطن التي تضررت في عدد من الدول، سواء داخل القارة الإفريقية أو خارجه. ويرى أن وضع تقييم السياسات العمومية في صلب عمل البرلمانات من شأنه إعادة الاعتبار للمؤسسات وتعزيز الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، خاصة في ظل التحولات المتسارعة التي تشهدها المجتمعات.

هذا المفهوم ولد من رحم الفلسفات التي اعتمدتها الإنسانية منذ نهاية القرن الثامن عشر، وخاصة مع إعلان حقوق الإنسان والمواطن لسنة 1789، الذي أقر حق المجتمع في مساءلة كل من يتولى تدبير الشأن العام، هذا المبدأ أساسي، لأنه يجعل المواطن محور العملية السياسية، ويحول المسؤولية العمومية إلى التزام قابل للقياس والمحاسبة.

التقييم بهذا المعنى، ليس مجرد تقرير يوضع على الرفوف، بل هو ممارسة ترتبط ارتباطا عضويا بقيم الشفافية والديمقراطية وفصل السلط، لأنه يمكن من تتبع المسارات الحقيقية للسياسات، ويفتح حوارا بين العلم والسياسة، بين المختصين وصناع القرار، وبين المؤسسات والمواطنين.

وهو ما يسمح بتصحيح الاختلالات وتوجيه الموارد نحو ما يفيد المجتمع ويحقق التنمية لذلك، فالتقييم هو صمام أمان للديمقراطية، ورافعة لإعادة بناء الثقة بين المواطن والمؤسسات، خاصة في سياق عالمي يعرف فقدانا متناميا لهذه الثقة.

●  الدستور المغربي حمل البرلمان مسؤوليات واضحة في مجال التقييم. ما هي حدود هذا الدور، وكيف يمكن تعزيز الانسجام بين مختلف الفاعلين المؤسساتيين المنخرطين في عملية التقييم؟

الدستور المغربي واضح وصريح في إسناده ثلاثة أدوار محورية للبرلمان: التشريع، مراقبة العمل الحكومي، وتقييم السياسات العمومية، غير أن هذه المهمة الأخيرة ما زالت تحتاج إلى الكثير من تعزيز الأدوات والموارد والآليات، فالتقييم اليوم موزع بين عدة فاعلين: البرلمان بغرفتيه، المجلس الأعلى للحسابات، الحكومة، ومؤسسات أخرى تقدم آراء ودراسات وخبرات، هذا التعدد إيجابي، لكنه قد يتحول أحيانا إلى مصدر تشتيت وضعف في التنسيق إذا لم يصاحب بنظام يضمن الانسجام والتكامل.

ومن هنا تأتي الحاجة الملحة إلى بناء منظومة تقييم مؤسساتية متماسكة، تحدد فيها المسؤوليات بوضوح، وتعز فيها العلاقة بين الباحث والمشرع، وبين التقارير البرلمانية وقرارات السلطة التنفيذية، حتى تصبح المعرفة العلمية أساسا لاتخاذ القرار العمومي.

نحن اليوم في مرحلة جديدة، تفرض علينا ربط التقييم بوضع المواطن، بالآثار الحقيقية للسياسات على حياته اليومية، بالتكلفة والفعالية والجدوى، وهذا يقتضي تكوينا مستمرا للبرلمانيين، وتعزيز التعاون مع المؤسسات الرقابية والخبرات الوطنية والدولية، لضمان تقييم موضوعي وعلمي قادر على تحسين الأداء العمومي.

وشهدت مدينة العيون تنظيم الدورة العاشرة للجمعية العامة لشبكة البرلمانيين الأفارقة لتقييم التنمية (APNODE)، وهو حدث قاري بارز جمع وفودا برلمانية من مختلف الدول الإفريقية لتعزيز ثقافة التقييم داخل مؤسسات التشريع والرقابة.

وقد حملت الدورة رسائل سياسية واضحة تؤكد صعود التقييم كأداة استراتيجية في صناعة القرار، خاصة مع الدعوات لإعادة قراءة حصيلة التنمية بالقارة في الفترة 2015–2025، والتحضير لمتطلبات أجندتي 2030 و2063.

كما أبرز دور المغرب، من خلال احتضان العيون لهذا الحدث، في دعم الحكامة وتعزيز التعاون الإفريقي في مجال التقييم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى