حين تتحول المقاطعة إلى رسالة مؤسساتية ونضالية

عادل عوين – عضو المكتب الوطني للجامعة الوطنية للصحة التابعة للإتحاد العام للشغالين بالمغرب UGTM

أقدمت الشغيلة الصحية بالمجموعة الترابية الصحية لطنجة–تطوان–الحسيمة على مقاطعة انتخابات ممثليها داخل المجلس الإداري، في خطوة لم تكن وليدة الصدفة ولا تعبيراً عن عزوف سلبي، بل موقفاً واعياً يعكس عمق الأزمة التي باتت تطبع علاقة الأطر الصحية بآليات التمثيل والحوار داخل المؤسسات العمومية الصحية.

إدارياً، تكشف هذه المقاطعة عن حالة فقدان ثقة واضحة في جدوى المشاركة داخل مجلس إداري يُفترض فيه أن يكون فضاءً للتداول الحقيقي والدفاع عن القضايا المهنية والاجتماعية للشغيلة الصحية. فحين تختار فئة واسعة من المهنيين عدم الانخراط في انتخاب ممثليها، فإن ذلك يعني عملياً سحب الشرعية التمثيلية عن هذا المسار، والتشكيك في مصداقية الآليات المعتمدة، وفي قدرة المجلس على التأثير الفعلي في القرار، خاصة في ما يتعلق بالموارد البشرية، وظروف العمل، وجودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنات والمواطنين.

كما أن المقاطعة، من زاوية تدبيرية، تشكل رسالة مباشرة إلى الإدارة وإلى الجهات الوصية مفادها أن الاختلال لا يكمن في الأشخاص، بل في المنهجية المعتمدة وفي غياب شروط الشفافية، وتكافؤ الفرص، والحوار الاجتماعي الجاد. وهي أيضاً مؤشر على أن مؤسسات الحكامة التشاركية، حين تُفرغ من مضمونها، تتحول إلى هياكل شكلية لا تعكس انتظارات الشغيلة ولا تستجيب لمطالبها المشروعة.

أما نضالياً، فإن مقاطعة الشغيلة الصحية لانتخابات ممثليها تُعد شكلاً من أشكال الاحتجاج السلمي المنظم، واختياراً واعياً لفضح التمثيلية الصورية ورفض الانخراط في مسار يُنظر إليه على أنه يضفي الشرعية على قرارات جاهزة سلفاً. إنها رسالة قوية مفادها أن المشاركة لا تكون غاية في حد ذاتها، بل وسيلة مشروطة بوجود إرادة حقيقية للإصغاء والتفاعل وتنزيل المقترحات.

وتحمل هذه الخطوة النضالية دلالة إضافية تتمثل في مستوى الوعي الجماعي الذي بلغته الشغيلة الصحية بالجهة، حيث اختارت التعبير الجماعي عن الرفض بدل الرهان على تمثيل فردي محدود الأثر. كما تسعى من خلال المقاطعة إلى إعادة الاعتبار للنضال الجماعي، والتنبيه إلى أن تغييب الحوار الحقيقي لا يمكن أن يؤدي إلا إلى مزيد من الاحتقان وفقدان الثقة.

إن مقاطعة انتخابات ممثلي الشغيلة الصحية بالمجلس الإداري للمجموعة الترابية الصحية طنجة–تطوان–الحسيمة ليست هدفاً في حد ذاتها، بل وسيلة احتجاجية هدفها الأساس دق ناقوس الخطر بشأن واقع الحكامة الصحية الجهوية، والدعوة إلى إعادة بناء شروط تمثيلية حقيقية، قائمة على الوضوح، والاحترام المتبادل، وإشراك فعلي لمهنيي الصحة في اتخاذ القرار.

وفي ظل هذه المعطيات، تبقى مسؤولية الإدارة والجهات الوصية قائمة في التقاط الرسالة، وفتح قنوات حوار جاد ومسؤول، يُفضي إلى إصلاح حقيقي لمنظومة التمثيل داخل المجالس الإدارية، بما يضمن كرامة الشغيلة الصحية، ويعزز الثقة في المؤسسات، ويخدم في نهاية المطاف المصلحة العليا للمنظومة الصحية الوطنية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى