خروقات جسيمة تشدّد الرقابة على أقسام التعمير بالمجالس الجماعية

حسين العياشي
شهد قسم التعمير بالمجالس الجماعية في المغرب سلسلة من التدخلات الأمنية والأبحاث معمقة، بعد أن كشفت مفتشيات وزارة الداخلية عن خروقات جسيمة تهدد شفافية العملية التعميرية وتضر بمصالح المواطنين. التحريات أظهرت أن بعض المسؤولين المحليين استغلوا مواقعهم في منح رخص بناء بشكل غير قانوني، وتزوير وثائق إدارية، والتلاعب بالمشاريع السكنية، ما دفع الداخلية إلى إطلاق حملة صارمة لتعزيز الرقابة ومساءلة المخالفين، في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة.
بين أحضان جماعة سيدي قاسم، القصة أخذت بعدًا آخر، حين تفجرت قضية تزوير وثائق إدارية تخص إحدى التجزئات السكنية. رئيس الجماعة، عبد الإله أوعيسى، أصبح محور التحقيقات بعد أن تقدم أحد المستثمرين بشكاية اتهم فيها المسؤولين بتسليمه وثيقة غير صحيحة. وبعد التحقيقات، أصدرت محكمة الاستئناف بالقنيطرة حكمًا يقضي بمتابعة أوعيسى في حالة سراح، في حين يصر المقاول المشتكي على أن تتم متابعته في حالة اعتقال، مؤكدًا على جدية الاتهامات ومدى تأثيرها على مصالحه الاستثمارية. المقاول لم يخفِ عزمه على متابعة كل الإجراءات القانونية، بينما كان أوعيسى يواجه ضغوطًا هائلة، رغم نفيه التام للتهم الموجهة إليه.
أما في جماعة الرباط، أخذت الأحداث بعدًا آخر، بعد أسابيع قليلة من فضيحة “الرخصة” التي جرّت عدداً من مسؤولي الجماعة، وعلى رأسهم العمدة فتيحة المودني، إلى مقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، عادت الملفات الحارقة لتطفو على السطح مجدداً، بعدما كشفت مصادر مطلعة عن شروع الشرطة القضائية في فتح تحقيقات جديدة تخص مجال التعمير بالعاصمة.
ولا يقتصر الأمر على هاتين المدينتين فقط. جماعات عديدة شهدت اختلالات على مستوى أقسام التعمير، ما جعل كثيرًا من المنتخبين يرفضون تقلد هذا المنصب، فهم يعلمون أن مسؤول قسم التعمير غالبًا ما يكون كبش الفداء لرؤساء الجماعات عند أي خرق أو تجاوز، رغم أن الأمر يتجاوز في كثير من الحالات صلاحياته المباشرة.
ومع انكشاف هذه الخروقات، كان لمصالح الأمن الوطني والدرك الملكي دور محوري في التحقيق، حيث استمعوا إلى عدد من المسؤولين، ووجدوا إيصالات تحويلات مالية، ما عزز من حجم الفضائح وتنوعها. اليوم، لا يخفى على أحد أن الهدف من هذه الحملات هو فرض الشفافية وحماية حقوق المواطنين، وضمان أن تكون المشاريع العمرانية وسيلة للنمو والتنمية، لا أداة للاستغلال الشخصي والانتهازية.
لكن الحقيقة الأشد إيلامًا، أن كثيرًا من المسؤولين يواجهون معركة صعبة بين أداء واجبهم القانوني وبين تحمل مسؤولية أخطاء تتجاوزهم، وسط بيئة تحتاج إلى نزاهة حقيقية ورقابة صارمة.
في النهاية، يبدو أن الشفافية والمساءلة لم تعد خيارًا، بل ضرورة لتفادي أن تتحول أقسام التعمير إلى ساحات للصراع على النفوذ والمال، وحماية حقوق المواطن من تجاوزات قد تكلفه سنوات من الانتظار والخسائر.





