خوصصة المرافق العمومية بأكادير.. خيار للتجويد أم تكريس لفشل التدبير العمومي؟

حسين العياشي

لم يمرّ إعلان جماعة أكادير عن توجهها نحو تفويت عدد من مرافقها الجماعية للقطاع الخاص مرور الكرام. فبينما اعتبره المكتب المسير برئاسة عزيز أخنوش خطوة “استراتيجية” لابتكار طرق جديدة في التدبير وضمان استدامة الخدمات، رأت فيه المعارضة إعلانًا صريحًا عن فشل الجماعة في ممارسة صلاحياتها وتحمل مسؤولياتها المباشرة أمام الساكنة.

البلاغ الرسمي الصادر عن المجلس الجماعي، أوضح أن لائحة المرافق المشمولة بالخوصصة تشمل المتاحف، قصبة أكادير أوفلا، المسابح الرياضية، ملجأ الحيوانات الضالة، والمرابد، مع إمكانية البحث عن صيغ خاصة لتدبير المحطة الطرقية ودار الفنون. كما تحدث عن إدماج القطاع الخاص في مجالات تقنية مثل المساحات الخضراء، الإنارة العمومية، النافورات والمراحيض، وهي مرافق لطالما ارتبطت مباشرة بالمسؤولية المباشرة للمجالس المنتخبة.

لكن المعارضة، ممثلة في عبد العزيز السلامي، عضو المجلس عن فدرالية اليسار الديمقراطي، كان لها رأي آخر. إذ اعتبر أن هذه الخطوة لا تعكس سوى “عجز مكتب المجلس عن الوفاء بالتزاماته الانتخابية”، متسائلًا بلهجة انتقادية: “إذا كانت جماعة كبرى مثل أكادير عاجزة عن تدبير مرافق بسيطة كالمراحيض العمومية، فما جدوى الديمقراطية التمثيلية والميزانيات الضخمة المرصودة للتسيير؟”

هذا الجدل المحلي يعيد إلى الواجهة نقاشًا وطنيًا أعمق حول خوصصة الخدمات العمومية. فمنذ سنوات، لجأت عدة جماعات ترابية بالمغرب إلى تفويت قطاعات مثل الماء والكهرباء والنقل الحضري لشركات خاصة، بدعوى تحسين الجودة وضمان الاستمرارية. غير أن تجارب كثيرة أظهرت أن النتائج لم تكن دائمًا في مستوى التطلعات، حيث واجه المواطنون ارتفاعًا في الأسعار وتراجعًا في العدالة المجالية.

في المقابل، يدافع أنصار هذا التوجه عن فكرة أن القطاع الخاص يملك من الكفاءة التقنية والمرونة التدبيرية ما لا يتوفر في الجماعات الترابية، خصوصًا في ظل محدودية الإمكانيات البشرية والمالية لهذه الأخيرة. وهو ما يجعل خيار الخوصصة ـ في نظرهم ـ أمرًا واقعيًا لا مفر منه.

لكن السؤال الجوهري الذي يظل مطروحًا هو: هل نحن أمام مسار إصلاحي لتجويد الخدمات العمومية، أم أمام هروب جماعي من المسؤولية السياسية المنتخبة، نحو “شركات باطرونا” قد تضع الربح فوق المصلحة العامة؟

وبين خطاب الأغلبية الذي يَعِد بالحكامة وجودة الخدمات، وصوت معارضة يرى في القرار تراجعًا عن روح الديمقراطية المحلية، يجد المواطن الأكاديري نفسه مرة أخرى في قلب معادلة معقدة، حيث التكلفة تُدفع من جيبه، والقرارات تُتخذ باسمه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى