دراسة تحذر من تداعيات تفكيك صندوق المقاصة على الفقراء

حسين العياشي
حذّرت دراسة حديثة من تداعيات رفع الدعم عن المواد الأساسية وتفكيك ما تبقى من صندوق المقاصة، على التماسك الاجتماعي وعلى الفئات الهشة والمتوسطة في المغرب. الدراسة، التي حملت عنوان “تفكيك صندوق المقاصة: أي أثر على الفئات الفقيرة والمتوسطة؟”، أعدّها الباحث عبد الرفيع زعنون، ضمن إطار أكاديمي تحليلي، تستعرض فيه أبعاد القرار الحكومي من زوايا اقتصادية واجتماعية متعددة، مع تحليل المعطيات المرتبطة بسياق الإصلاح وأهدافه المعلنة.
وقد انطلقت الدراسة من كون صندوق المقاصة شكّل، منذ تأسيسه، آلية لحماية القدرة الشرائية للمواطنين، لا سيما من خلال دعم غاز البوتان والسكر والدقيق.
لكن الحكومة، وبدءًا من سنة 2015، شرعت في تقليص هذا الدعم تدريجيًا، لتصل اليوم إلى المرحلة النهائية المتمثلة في رفع الدعم عن غاز البوتان، بحجة أن المنظومة القديمة كانت تخدم الأثرياء أكثر من الفقراء.
كما حاول أحمد البرنوصي من خلالها، الإجابة عن مدى واقعية هذه المبررات، معتبرا أن غياب سياسات اجتماعية فعالة ومواكِبة، يجعل من هذا الإصلاح الهيكلي إجراءً يحمل مخاطرة عالية. فرغم تعهد الدولة بتوجيه ما توفره من رفع الدعم نحو برامج الحماية الاجتماعية، تبقى هذه الأخيرة، بحسب الدراسة، محدودة التأثير بسبب ضعف الاستهداف وصعوبة الولوج إلى الخدمات وغياب العدالة في توزيع التحويلات النقدية، مما يحرم شريحة واسعة من الفئات المحتاجة من الدعم الفعلي.
بهذا الصدد، رصدت الدراسة مفارقة واضحة في تعامل الدولة مع الطبقة المتوسطة، التي تم استثناؤها من منظومة الدعم، لكنها في الآن ذاته تتحمّل أعباء إضافية نتيجة ارتفاع الأسعار، مع تقلص فرص الدعم المباشر أو الحماية من الانزلاق نحو الهشاشة الاجتماعية، خصوصًا في ظل ارتفاع تكاليف الصحة والتعليم والنقل.
ويحذّر الباحث في هذا السياق، من أن رفع الدعم دون ضبط حقيقي للسوق أو مراقبة للمنافسة قد يؤدي إلى تكرار سيناريو تحرير أسعار المحروقات سنة 2015، والذي أدى إلى تراكم أرباح ضخمة لفائدة شركات التوزيع، دون أن ينعكس ذلك على جودة الخدمات، بل على العكس، شهدت القدرة الشرائية للمواطنين تراجعًا ملحوظًا.
وفي توصياته، دعا الباحث أحمد البرنوصي إلى ضرورة اعتماد مقاربة تدريجية عادلة، تقوم على تعزيز الثقة، وتوسيع قاعدة المستفيدين من برامج الدعم المباشر، وتفعيل الرقابة الصارمة على الأسعار، إلى جانب إشراك المجتمع المدني والنقابات والجهات المنتخبة في تتبع مسار هذا الإصلاح، لضمان شفافيته وتوازنه.
وفي وقت تراهن فيه الدولة على تحويل الدعم إلى استثمارات أكثر نجاعة في الصحة والتعليم والتشغيل، تخلص الدراسة إلى أن نجاح هذا الورش يبقى مرهونًا بمدى قدرته على تقليص الفوارق، لا تعميقها، وعلى حماية الفئات التي ظلت لعقود تتكئ على دعم المقاصة لتأمين ضروريات العيش.
إنه نقاش مفتوح لا يتطلب فقط معطيات مالية، بل رؤية سياسية واضحة تؤمن أن العدالة الاجتماعية لا تنفصل عن العدالة الاقتصادية، وأن الإصلاح، كي يكون عادلًا، يجب أن يكون متوازنًا وشاملًا، لا مجرد عملية محاسبية تتجاهل كلفة الإنسان.