رئاسة النيابة العامة تصدر إشعارًا حول التعديلات الأخيرة في المسطرة الجنائية

حسين العياشي
أصدرت رئاسة النيابة العامة منشورًا رسميًا موجهًا إلى المحامي العام لدى محكمة النقض، والوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف، ووكلاء الملك لدى المحاكم الابتدائية، تتضح فيه أبرز المستجدات التشريعية التي جاء بها القانون رقم 03.23، المغير والمتمم للقانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية. وذلك بهدف تنظيم عمل النيابة العامة في مختلف مراحل الدعوى الجنائية، بدءًا من تلقي ومعالجة الشكايات والوشايات، مرورًا بإجراء الأبحاث والتحقيقات، وصولًا إلى المحاكمة وتنفيذ الأحكام القضائية.
يعد من أبرز التعديلات التي جاء بها القانون الجديد تلك المتعلقة بالاختصاص المحلي والنوعي للنيابة العامة. فقد أضاف المشرع معيارًا جديدًا يتعلق بمكان وجود المشتبه فيه في مؤسسة سجنية، ليصبح هذا المعيار أحد الأسس الإضافية لتحديد الاختصاص المحلي، إلى جانب المعايير السابقة التي كانت تعتمد على مكان ارتكاب الجريمة، محل إقامة أحد المشتبه فيهم، أو مكان إلقاء القبض عليهم. هذا التغيير يسهم في تعزيز قدرة النيابة العامة على متابعة الأبحاث وتقديم الدعوى العمومية ضد المشتبه فيهم المتواجدين في المؤسسات السجنية داخل نطاق اختصاصها.
أما على صعيد الاختصاص النوعي، فقد شهد القانون توسعًا لافتًا ليشمل فئات جديدة من الأشخاص الذين تخضع أفعالهم لأحكام خاصة، مثل الضباط العسكريين من رتبة عميد فما فوق، وقضاة المحكمة العسكرية، إلى جانب الكتاب العامين للعمالات والأقاليم ورؤساء المناطق الحضرية. هذا التوسع يساهم في تحديد المسؤوليات القضائية بشكل أكثر وضوحًا، ويضمن شمولية أكبر في تحديد الاختصاصات.
ومن أبرز التعديلات أيضًا، تلك التي تم إدخالها على متابعة الجرائم الماسة بالمال العام. بموجب القانون الجديد، أصبحت متابعة هذه الجرائم مشروطة بطلب من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسًا للنيابة العامة، وذلك بناءً على إحالة من إحدى الهيئات المكلفة بمراقبة المال العام. إلا أن الجرائم التي يتم ضبط مرتكبيها في حالة التلبس، تبقى مستثناة من هذا القيد، وتظل النيابات العامة المختصة قادرة على متابعة التحقيقات وفقًا للقواعد العامة.
فيما يتعلق بمعالجة الشكايات والوشايات، أدخل القانون تعديلات على طريقة تعامل النيابة العامة مع الشكايات مجهولة المصدر. حيث أصبح من الملزم على القضاة إجراء تحريات أولية للتأكد من جدية هذه الشكايات قبل الإذن بفتح الأبحاث. كما ألزم القانون النيابة العامة بإشعار جميع الأطراف المعنية – من محامين وضحايا ومشتكين – بأي إجراءات تتعلق بحفظ الشكايات أو اتخاذ قرارات بشأنها في غضون 15 يومًا من اتخاذ القرار، مما يعزز الشفافية ويضمن حقوق جميع الأطراف.
ولم يقتصر القانون الجديد على تنظيم الأبحاث والتحقيقات، بل أدخل أيضًا تغييرات مهمة في تدبير الأبحاث الجنائية والإجراءات الوقائية. فقد منح النيابة العامة صلاحية إخضاع المشتبه فيهم للمراقبة القضائية أثناء سير البحث وفقًا للتدابير القانونية المحددة لكل حالة، مما يضمن التوازن بين حماية حقوق الأفراد وفعالية مكافحة الجريمة.
كما نظم القانون قواعد نشر وإلغاء برقيات البحث، حيث اشترط ألا يتم نشر أي برقية إلا بأمر من قاضي النيابة العامة، وذلك في حالة الأفعال التي تشكل جرائم معاقب عليها بعقوبات حبسية، أو إذا اقتضت الضرورة تنفيذ أحكام قضائية أو العقوبات البدنية. وألزم المشرع النيابة العامة بإلغاء برقيات البحث فور إلقاء القبض على المبحوث عنه أو في حالة تقادم الجرائم.
أما بالنسبة للتدابير الوقائية، فقد تم توسيع نطاق الرد ليشمل التحفظ على الأشياء والأدوات ووسائل النقل أو الإنتاج المضبوطة خلال الأبحاث الجنائية، مع التأكيد على ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لحمايتها وعدم التفريط فيها، مع مراعاة الحقوق القانونية للأطراف المعنية.
وفيما يتعلق بسحب جواز السفر وإغلاق الحدود، أصبح من الممكن تمديد مدة سحب جواز السفر لشهر إضافي مرتين، في حال اقتضت التحقيقات ذلك. كما ألزم القانون النيابة العامة بمتابعة تنفيذ هذه الإجراءات بما يضمن توازنًا بين ضمان سير التحقيقات وحماية حقوق المشتبه فيهم.
تسهم هذه التعديلات في تحديث وتعزيز النظام القضائي، حيث تضع أسسًا قانونية أكثر وضوحًا وتوازنًا، مما يساعد في تسريع وتيرة التحقيقات والمحاكمات، ويرسخ مبدأ العدالة وحقوق جميع الأطراف المعنية بالدعوى الجنائية.





