رحلة “الهروب الأكبر” مَن يهرب مِن مَن ؟

بشرى عطوشي

خذوا المناصب والمكاسب لكن خلوا لي الوطن !  أجمل ما غنى الفنان التونسي لطفي بوشناق، وفيها من المعاني ما يحملنا إلى التفكير في أن الوطن هو الحياة.

ليس لدينا اليوم وقت للوم ولا للانتقاد، لم يتبق لنا مكان لكتابة باقي الآلام، كلنا يغوص في مائه الضحل، وكلنا يغرق في ظلام السياسات العشواء.

صور شباب غرر بهم أم لا، أو سرقت منهم أحلامهم أم لا، أم كانوا ضحايا أم لا، تحيلنا على أن المشهد ككل تنقصه بعض القطع لحل كل الألغاز.

بالأمس تتبع كل واحد من داخل الوطن وخارجه، كيف دخلت السلطات العمومية في كر وفر مع أطفال وشباب كانوا على موعد بالفنيدق لتنفيذ ما سموه “الهروب الأكبر”، أو النزوح لسبتة المحتلة.

كلنا تتبعنا فيديوهات هواة وإعلاميين، كيف استنفرت هذه الجموع من الشباب، قوات الأمن من شرطة وقوات مساعدة ودرك. وكلنا كانت له وجهة نظره وتبريراته لهذا الفعل الذي يمكن تصنيفه في خانة “الأرعن” أو في خانة “الصحيح”، حسب ما يراه كل واحد متتبع.

المسؤوليات اليوم يتحملها الجميع، كل من مكانه، وكل من زاويته، الوطن لا يحتمل في مثل هذه الظروف، سفينة عرجاء. وحتى يمكن لقائدها الرسو بسلام لا بد له من سفينة قوية ومساعدين أكفاء.

من الخبراء والمحللين والحقوقيين والسياسيين، من فسر الظاهرة كل حسب ما تراه عينه، وكل حسب ما يتوفر عليه من آليات أو معطيات، ومن الشباب أيضا من أيد مثل هذه الظواهر، ومنهم من استنكر هذا الفعل.

قالوا إنهم بالفعل في حاجة للهروب وتحقيق أحلامهم خارج الوطن، وقالوا لا يجب الهروب بل يجب عليهم العمل في وطنهم والبحث عن فرص تأتي لماما أو قد لا تأتي، المهم الرضى والبحث عن وضع قدم على أرض صلبة في وطنك ضدا على كل الفاسدين.

هناك من وجه اللوم للسياسات المرتجلة، والفساد والتهميش وال”حكرة”، وهناك من قال كلنا في سفينة واحدة علينا التجديف حتى نصل لبر الأمان ودرء الفاسدين وأكلة الأحلام ومفسدي الحياة.

الوطن واحد، ومن لا وطن له لا حياة له، كبرنا في بيت بسيط مع أم وأب بسطاء، ولم يدخلوا المدرسة قط، تعلمنا معنى الحب والصبر عند الشدائد ونحن أطفالا، والدي كان عامل مناجم فوسفاط، وكان يعمل في أماكن خطرة في المناجم، ووالدتي رحمة الله عليها كانت تربي أطفالا يحملون معها عبء هذه الحياة، كبرنا بالقناعة وعدم النظر في أطباق الآخرين، بكينا وضحكنا وبكينا وضحكنا، حتى اقتنعنا ان الحياة تعاش بالقناعة والرضى، وربينا نحن أيضا جيلا بسيطا راض ومقتنع أن السلام يأتي من داخلنا ومن داخل بيوتنا.

أردت فقط التوطئة والوصول إلى أن الصبر والعمل على تحقيق أحلامك بوطنك، حتى وإن اكتويت بنار الفقر والظلم والفساد، سيوصلانك إلى مكان نظيف وآمن، وأنت مقتنع أن لا شيء يمكنه اقتلاعك من جذورك في هذا الوطن، لأنه كما لديك واجبات فأنت لديك حقوق والحق ينتزع ليكتسب.

الكل اليوم يريد بيتا وسيارة وعملا ووو الكثير من الأشياء، وبالطبع كلها حقوق، ونحن نعلم أن الحق يؤخذ وبالمقابل هناك واجبات، لكن تم التفريط في الحقوق بالتفريط في الواجبات، هذا ما يراه البعض.

والبعض الآخر يرى أن سبب كل هذه الانفلاتات هو الفساد الذي ينخر في قواعد المجتمع، ويستشري وتتمدد جذوره في كل مكان في هذا الوطن الحبيب.

وبالعودة إلى صور “الهروب الأكبر” من الفنيدق، نجد شبابا لا يعرف ماذا يريد، وأطفالا لا يعرفون لم هم هناك ولماذا يريدون العبور إلى سبتة المحتلة؟؟؟

فقط لأنهم وجدوا ضالتهم في الهروب، الهروب من من ومن ماذا؟ كلهم يريد الهروب من الفساد ومن بلدهم، لكن الهروب إلى من وإلى أين؟ هم يعلمون أنهم يفرون إلى المجهول فقط.

أسئلة كبرى تطرح وردود كثيرة لكن الصورة لازالت معتمة وغير واضحة الرؤية من المسؤول؟ ولماذا هذا الهروب؟ من وراء كل هذا؟ ولماذا كل هذا؟ أسئلة تبقى معلقة إلى حين !

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى