ستّون سنة على قمة الدار البيضاء.. البداية الرمزية لوحدة عربية لم تكتمل

حسين العياشي
قبل ستة عقود، وتحديداً ما بين 13 و17 شتنبر 1965، احتضنت الدار البيضاء أول قمة عربية تعقد على التراب المغربي. حدثٌ جاء بعد عشرين عاماً من تأسيس جامعة الدول العربية بالقاهرة سنة 1945، في لحظة إقليمية حبلى بالرهانات والصراعات.
كان السياق الإقليمي متوتراً، المد القومي العربي في أوجه، الصراع العربي–الإسرائيلي يتخذ مسارات أكثر تعقيداً، والانقسامات بين الأنظمة العربية بدأت تلوح في الأفق. المغرب، حديث عهد بالاستقلال، أراد من خلال احتضان القمة أن يثبت موقعه كفاعل إقليمي قادر على لعب دور الوسيط وجسر تواصل بين العواصم العربية.
ورغم أن خلاصات القمة لم تحمل قرارات مصيرية على الورق، إلا أن اللقاء شكّل منصة لتبادل الرسائل والاصطفافات، بعضها بقي في الكواليس. وقد اعتُبر هذا الحدث بداية حضور مغربي وازن في الدبلوماسية العربية، وهو الحضور الذي استمر في محطات عديدة لاحقاً، من قمم عربية أخرى إلى أدوار الوساطة في قضايا إقليمية حساسة.
لكن إذا كان اجتماع الدار البيضاء، قد جسّد آمالاً كبيرة في وحدة الصف العربي، فإن حصيلة ستين سنة من عمر الجامعة العربية تكشف مساراً متعرجاً. فقد عاشت المؤسسة، منذ تأسيسها، بين مدّ وجزر: فترات حماسية أعقبتها أخرى من الجمود، نجاحات محدودة في بعض الملفات يقابلها فشل في قضايا مفصلية، على رأسها القضية الفلسطينية.
اليوم، وبعد ستة عقود على قمة الدار البيضاء، يواجه العالم العربي أزمات متشابكة، الحروب في اليمن وسوريا وليبيا، التوترات بين العراق وإيران، الملف الفلسطيني الذي لا يزال يؤرق المنطقة، والصراعات الاقتصادية والاجتماعية التي تتفاقم. في هذا السياق، يظهر الدور المغربي الراسخ في العمل الدبلوماسي على الصعيد العربي، سواء في وساطاته للسلام أو في دعم القضايا العربية، كدليل على قدرة المملكة على الجمع بين الحكمة الدبلوماسية والخبرة التاريخية.
يبقى السؤال مطروحاً، هل تستطيع الجامعة العربية اليوم أن تتحول من منتدى للتشاور إلى منصة فعالة تستطيع فرض قرارات جامعة وملزمة؟ الواقع يشير إلى أن التباينات السياسية الداخلية والخارجية تعرقل هذه القدرة، لكن الدور الرمزي والسياسي للجامعة لا يزال حيوياً، ويمنح الدول العربية، ومنها المغرب، فرصة لإعادة ترتيب الأوراق ودفع المبادرات المشتركة نحو الاستقرار والتنمية.