سعيد قروق ل”إعلام تيفي”: “تدبير أزمة الماء تستدعي الوقوف على الأولويات وقبل وقوع الأزمة”
سكينة حما: صحافية متدربة
عرف الدكتور محمد سعيد قروق أستاذ علم المناخ بجامعة الحسن الثاني بالدارالبيضاء, ورئيس اللجنة الوطنية لمستقبل الأرض أن الإجهاد المائي معناه اننا نستعمل الماء أكثر من ما هو موجود ،وهو معادلة ما بين المورد والاستعمال وبناء عليه فإذا كان الاستعمال يعادل المورد فإن المعادلة تساوى الصفر وإذا كان الاستعمال أقل من المورد فإنه لدينا فائض مائي وهذا شيء جيد جدا أما إذا كان لدينا الاستعمال أكثر من المورد فإننا في وضعية سالبة غير مطلوبة وغير محبذة ونكون في وضعية الإجهاد المائي.
وبناءا عليه، فالدكتور محمد سعيد قروق خص في تصريحه ل“إعلام تيفي” بالإشارة إلى أن ما يحصل في المغرب هو شيء يقترب من الإجهاد المائي ولا يمكن أن نقول حقيقة أننا في ظل إجهاد المائي، لأن المغرب لا زال به الماء لكن الإشكال الموجود هو التوزيع الجغرافي للماء وبالتالي هناك مناطق بها خصاص كبير في المياه يعني ميزانية سالبة منذ فترة طويلة ولكن هناك مناطق أخرى لديها الماء في وضعية فائض كالمناطق الشمالية يعنى حوض سبو حوض لوكوس والاحواض الصغيرة الأخرى الموجودة والمعروفة بأحواض الطنجية مثل حوض مارتيل وحوض واد لاو.
وأوضح أن السياسة التي نهجها وأقرها المغفور له صاحب الجلالة الحسن الثاني رحمه الله منذ ستينات القرن الماضي والتي خصص لها الربع من ميزانية الدولة 25 في المائة و”هو رقم ضخم جدا وهائل، وكان القرار صائبا والنتيجة هي ما نعيشه اليوم، ولدينا ترسانة من السدود ولولا هذا القرار لما كنا في هاته الوضعية التي استطاعت ان توفر أكثر من 18 مليار متر مكعب في التخزين.” يقول المتحدث
وأكد أن صاحب الجلالة محمد السادس يتبع السياسة ذاتها التي نهجها أبوه المغفور له الحسن الثاني، كما أضاف أننا اليوم في وضعية من الناحية التقنية وضعية مريحة جدا لكنها غير مريحة من الناحية الاجتماعية أي من ناحية الاستعمال ولا زلنا نتعثر إن لم نقل فشلنا من الناحية الاجتماعية.
وتابع قوله أن سياسة السدود التي أقرها المغفور له الحسن الثاني كان لها هدفين وهي الحماية من الجفاف والحماية من الفيضانات وأن القرار اليوم يراه أنه انحرف عن أهدافه الأصلية للسدود وحماية المغرب بكامله بشعبه وترابه وأرضه وفلاحته وأمنه واستقراره بشعبه وملكه من أجل استقرار بيئي مائي وأن السدود وضعت لكي نحتاج إليها للتقليل من وقع الجفاف وتأجيل أزمة الماء.
وأوضح أن أزمة الجفاف كانت قد بدأت منذ 2018 , لكن الإدارة المسؤولة عن الماء ظلت تستعمل الماء كأن الجفاف غير موجود، “إذن لم يتجاوز الأهداف التي وضعت لأجلها السدود فقد عشنا في الجفاف منذ 2018 و2019 و2020 و2021 ولم يعر المسؤولون للأمر أهمية منذ البداية. وفي دجنبر سنة 2021 وصل الماء بسد المسيرة إلى السافلة 5 في المائة من منسوبه.” يسجل سعيد قروق
وفي هذا الصدد تساءل الدكتور محمد سعيد قروق “أين كان المسؤولون حينما كان السد في تراجع وولم ينتبهوا إلا حين بلغت نسبته 5 في المائة ؟”، ويضيف قروق: “بما أننا في فترة الجفاف فلا يمكننا استعمال الماء بالطريقة نفسها التي كنا فيها خارج فترة الجفاف .”
وأشاد بما قاله صاحب الجلالة نصره الله في خطابه الأخير مشددا على “انه لا يعقل أننا ننفق الملايير والأموال الطائلة على تعبئة المياه، على السدود وعلى القنوات ويأتي البعض ويهدرها لا من الناحية الأخلاقية والقانونية ولامن الناحية الوطنية” مضيفا: “وهذا أمر غير مقبول حتى وإن كان الماء متوفر لا يمكن استعماله في أي شيء كان، ونستعمله أولا في المسائل الإستراتيجية وثانيا يجب تحديد الأولويات”.
ومن وجهة نظره أكد أنه من المفروض حينما دخلنا في فترة الجفاف فقد خرجنا من الوضعية العادية ودخلنا في الوضعية الاستثنائية، والجفاف الآن في سنته السادسة على التوالي. وواصل قوله “إن التدبير يتم قبل الأزمة وليس أثناء الأزمة وهذه عملية و منهجية معروفة في تدبير المخاطر والأخطار في القيام باستباق المخاطر والأخطار قبل أن تحصل ومعالجتها قبل أن نصل إليها، أما إذا لم تتم معالجتها وتركنا الأشياء كما هي ووصلنا للأزمة فليس لدينا ما نفعل.”
وأعلن في هذا الصدد أن الحلول ليست كما يقولون هي بتحويلهم للمياه “فكم سيستغرق من الوقت لهذه العملية ؟”وتابع “في الوقت الذي قالها شخصيا وقالوها أشخاص آخرين منذ الثمانينات والتسعينات، وهو مكتوب وموثق، بأنه علينا تحويل المياه من الشمال تجاه المناطق الأخرى التي بها خصاص، والدولة قامت بهذه العملية في صيف 2023 حينما كنا في أزمة بين واد سبو بالقنيطرة والرباط فقط بينما الماء يوجد في الشمال كله وجنوب الرباط كله يحتاج الماء لذلك فالأمر ينفذ قبلا وليس أثناء الأزمة.”
وفي تساؤل آخر له اعتبره جوهريا “كيف وصل المغرب إلى عملية الإجهاد؟ وهي عملية حسب قوله يستعمل فيها الماء أكثر من ما هو متوفر لدينا، وذكر هنا بأن الاحترار الأرضي عمل على إعادة الماء للقسم الشمالي من الكره الأرضية في الفترة بين 2006 و 2016 و2017 حيث كنا نعيش الفيضانات كل سنة في المغرب وفي خارج المغرب, في القسم الشمالي بكامله هذا يتبين أن المياه التي سبق أن تبخرت بفعل ارتفاع الحرارة وانتقلت من السطح إلى الغلاف الجوي توفرت الشروط لتكاثفها وعودتها وبالتالي عادت إلى الأرض ،
وأردف قائلا أنه في نفس الفترة بين 2006 و2016 و 2017 كان المغرب يستقبل من الماء أكثر من المعتاد على غرار السنوات الأخيرة، ومشيرا أن المورد الإجمالي في الأصل هو 140 مليار متر مكعب من التساقطات المطرية في المغرب في الحالة العادية، و 22 مليار متر مكعب هو المعدل المتوسط من التساقطات المطرية والمتبقية من المورد الإجمالي، وأشار أن الفارق بينهما يذهب في التبخر واعتبره مهم جدا .
وأضاف أن في الفترة ما بين 2006 و2018 المغاربة لم يعترفوا بهذا الأمر مع الأسف . ومن جانبه طرح تساؤله، لماذا 22 مليار ويظنه أنه غير صحيح، مفسرا أنه ما بين 2006 و2015 و2016 كانت المياه في المغرب تفوق بكثير 22 مليار ولذلك امتلأت السدود ولا يمكن أن تحصل الفيضانات ولايمكن أن تمتلئ السدود إذا كان لدينا فقط 22 مليار. وبالتالي عملية ملء السدود جعلت المغاربة لا يعرفون ما الذي يجري” وتكلم هنا عن المسؤولين.
وأشار أن مخطط المغرب الأخضر قام على هاته المياه الموجودة دون أن يعترف المسؤولون المغاربة أن هناك أزمة ماء، والنتيجة هو أن المغرب قام بمخطط المغرب الأخضر على رقم أكثر من 22 مليار مكعب، وفي بعض السنوات وصلت الموارد المائية إلى حدود 50 مليار عوض 22 مليار وسياسة المغرب بنيت على 50 مليار معبرا أن الأمر مؤسف لأن 50 مليار رقم غير موجود وغير حقيقي .
وسجل المتحدث أن كلام صاحب الجلالة في الخطاب الأخير لعيد العرش يشير إلى انه يجب أن نقوم بموازنة بين الموارد وبين الاستعمال، لأنه لا يعقل أن نستعمل دون أن نعرف ماذا نستعمل، فالآن مجموعة من المستثمرين الذين شجعهم مخطط المغرب الأخضر وتم تشجيعهم للاستثمار في المغرب وجدوا أنفسهم في أزمة، إذن الدولة لا يمكن لها أن تقول لهم توقفوا، لأن لديها عقد معهم وفي نفس الوقت يطالبون بحقوقهم .
ويأمل قروق أن يكون الخطاب الأخير لصاحب الجلالة إنذارا أخير للمسؤولين على رأسهم هذا القطاع في المغرب وأن يكون كل المغاربة مسؤولون، ولا يعتبروا هذه الأزمة بدون نتائج ، لكن يجب أن تكون عبرة وقاعدة ومرجع لمدبري أمور الماء بالمغرب وللمغاربة في استعمالهم للماء وفي السياسة الوطنية القوية الثابتة المبنية على المعلومات وعلى المعطيات العلمية، والعلماء لديهم هذه المعطيات ،وقدموها للدولة، ولازالوا يقدمونها للدولة بشكل مجاني دون أن تطلبها منهم ، وكذلك وضع استراتيجية تتوفر فيها وسائل هاته السياسة وقوانين صارمة للحفاظ على الماء.
وتابع بأنه “كان لدى المغرب القانون رقم 10.95 للماء الذي يشمل جميع استعمالات الماء لكن لم يطبق أبدا وجاء في سنة 2016 قانون 36.15 هو قانون يلغي استعمال الماء في الفلاحة، و لدينا في تقرير رسمي من المندوبية السامية للتخطيط في سنة 2020 ” الفلاحة تستعمل 87 في المائة من المياه المتوفرة “.
وارتباطا بالموضوع قال الدكتور محمد سعيد قروق أن في مداخلة لوزيرة المالية في البرلمان ، في يناير الماضي صرحت فيه حسب قوله، بأن المياه المستعملة في الفلاحة ونحن في قعر أزمة الماء تمثل 89 في المائة، وتبقى 11 في المائة لبقية الاستعمالات فقط في الماء الشروب أي استعمالات في السياحة في الإدارة في المواصلات في المدارس والاستعمال المنزلي ولا تمثل شيء أمام الموارد المائية المغربية .
وأبرز أن السياسة المائية تستلزم أن نحدد ماهي الأولويات المغربية في الأمن الغذائي والأمن المائي والأمن البيئي المغربي، واعتبرها مسألة مفروغ منها وتتطلب تحمله والقيام به كيف ما كان ثمنه وتنفيذه.
“ويمكن بعدها النظر في الاستعمالات الأخرى ومنها التصدير وإعطاءه قيمته الديبلوماسية والتجارية والاقتصادية الحقيقية.” يتابع المتحدث
ويرى المتحدث أنه “لا يمكن ان يؤمن المغرب الأمن الغذائي لغيره من الدول على حساب وطنه ومائه ومستقبله فهو يعتبر انتحار و ليس هكذا تكون الأمور اذا أردنا أن نساهم في الامن الغذائي لغيرنا يستوجب ان يكون له مقابل حقيقي بنفس قيمة الأمن الغذائي .”
بالمناسبة قال “إن مجموعة من الدول لديها إمكانيات انتاج الغذاء ولكن تفضل استيراده من المغرب لأنه يستعمل مائه بطريقة متهورة ويوفر لهم الامن الغذائي.”
وفي هذا الصدد أكد “مستقبلا يستوجب استعماله بطريقة مقننة واستراتيجية حقيقية وديبلوماسية وليس فقط في الإطار التجاري العادي هذا البعض من الكل.”
مبرزا أن ملف الماء فيه عدة تعقيدات وعدة إشكالات “ونحن في تطور مناخي غير معروف اين سيذهب بنا”
وأضاف كذلك أنه لا يمكن توقع الدورة المائية كيف ستتطور على صعيد الكرة الأرضية وماذا سيكون نصيبنا منها، وبناء عليه هذه توجهات عامة يمكن أن نقدمها للمسؤولين والدولة لإيجاد حلول مستقبلية للازمة التي نعيش فيها.
وفي هذا السياق ذكر أن المغرب لديه سيناريوهات مستقبلية مرتبط بنقطتين أهمها أولا تطور الحرارة وأكيد أنه في ظل الأوضاع الطاقية الأرضية الطاقة الشمسية وليس الطاقات الأخرى التي تحدد مناخ الأرض هاته الميزة الطاقية ترتفع يوما بعد يوم وسنة بعد سنة والنتيجة أن الميزة الطاقية ، عندما ترتفع تتبعها الحرارة معناها ستزداد ارتفاعا الى حين تظهر أنها ستستقر وفي هذه الوضعية يتجه المغرب نحو المجهول السيء لان الحرارة ترتفع وسيضطرب المناخ وسيأتي الانسان عند قاعدة الهرم بتأثره بفاعل التطورات المختلفة.
وكشف الدكتور محمد سعيد قروق أن الشيء الأكيد هو أن ارتفاع الحرارة سيرتفع بالتبخر ودلالة ذلك أن المياه السطحية في الكرة الأرضية بصفة عامة في المحيطات والقارات ستزداد تبخرا بمفهوم ان قسم كبير من المياه السطحية ستضيع فيه عبر التبخر ولا يمكن الاستفادة منه، وهذا مقارنة بالفصل الذي كانت فيه الحرارة أقل ارتفاعا من الان.
ويرى الدكتور أنه ستاتي فترة ستنخفض فيه الحرارة وحينها ستعود الامطار كاحتمال لأنها المفسر الأساسي للاستقرار ولتطور الحضارة المغربية والشخصية المغربية.
والجفاف ليس مشكل فقط في المغرب، وأضاف أن هناك احتمال اخر غياب الأمطار لفترة طويلة ويمكن أن يتوقع أيضا عدم عودة الامطار وسيكون خصاص في الماء.
وشدد أنه ينبغي في هاته الحالة أن نزيد بناء السدود خاصة في المناطق الشمالية للتعبئة ولتوفير المياه للمناطق المغربية الأخرى التي لا تعرف عودة للأمطار والمياه والتعجيل بعملية تحويل المياه من الأقاليم الشمالية الى بقية مناطق المغرب حتى يستفيد منه بقية المغاربة. وعلى هذا فإذا تم الأخذ بهذا التوجه سيكون للمغرب صمام أمان.
وفي الختام أشاد الدكتور محمد سعيد قروق بالسياسة الملكية واعتبرها سياسة جريئة حول برنامج تحلية المياه والذي سيعطي نتائج مهمة.
بالمقابل يقول قروق لدى المغرب أيضا موارد مائية طبيعية يستلزم أن تعبأ على الوجه الصحيح وأن يستفاد منها وتستعمل كذلك للأهداف الصحيحة .