سقوط الأقنعة.. رؤساء مجالس وموظفون نافذون في مرمى التحقيقات

حسين العياشي

استفاقت الإدارة الترابية على فضائح جديدة تهز الثقة في نزاهة بعض المجالس والدوائر العمومية، حيث تتسابق المصالح المركزية لفتح ملفات “التعويضات الوهمية” والتلاعب بالصفقات العمومية بعد ورود تقارير دقيقة كشفت عن شبهات فساد خطيرة تهدد الشفافية في تدبير المال العام.

أفادت المصادر، أن تقارير صادرة عن أقسام “الشؤون الداخلية” بعدد من عمالات وأقاليم المملكة، بينها جهات الدار البيضاء-سطات، مراكش-آسفي، بني ملال-خنيفرة، وفاس-مكناس، كشفت تورط رؤساء مجالس جهوية وإقليمية ومحلية في صرف تعويضات صورية وحجز فنادق وكراء سيارات لاستمالة منتخبين وضمان ولائهم في التصويت على مشاريع بمليارات الدراهم خلال دورات استثنائية. كما أظهرت الوثائق استفادة بعض الأعضاء من مبالغ شهرية تتراوح بين 10 و20 ألف درهم مقابل مهام وهمية لا وجود لها على أرض الواقع.

وفي السياق نفسه، انتقلت المفتشية العامة للإدارة الترابية إلى السرعة القصوى في التحقيق بملفات غامضة تتعلق بتدبير الصفقات العمومية داخل الولايات والعمالات، بعد ورود شبهات تواطؤ وابتزاز مقاولين واستغلال النفوذ من قبل موظفين ورؤساء أقسام الصفقات والأقسام التقنية. كشفت المصادر، عن عمليات حجب وثائق حاسمة وتهيئة ملفات طلبات عروض لمقاولات بعينها، ما أسفر عن إقصاء منافسين وتأثير مباشر على مصداقية الإدارة العمومية وثقة الفاعلين الاقتصاديين.

وتشير المعطيات المتسربة إلى أن بعض الموظفين تورطوا في التلاعب بنتائج طلبات العروض، بينما جرى رصد ملفات لرؤساء قسم ابتزوا المقاولين وفرضوا شروطاً غير قانونية لتمرير صفقات، ما دفع الإدارة المركزية إلى إعداد إجراءات تأديبية وربما إحالة بعض الملفات على القضاء.

وبالنسبة لملفات التعويضات المشبوهة، تؤكد المصادر أن المصالح المركزية بوزارة الداخلية تعتزم إيفاد لجان تفتيش مركزية لإخضاع المجالس الجهوية والإقليمية والجماعات المحلية لافتحاص شامل قبل دورات الحساب الإداري، في خطوة تستهدف حماية المال العام وضمان النزاهة والشفافية، لا سيما بعد أن كشفت محاضر دورات رسمية عن صرف تعويضات غير مستحقة لبعض المستشارين كبار السن والبرلمانيين وأرباب المقاولات.

وتأتي هذه التحركات في إطار توجه رسمي واضح نحو تخليق المرفق العمومي وترسيخ قيم الشفافية في الإدارة الترابية، وضمان توزيع عادل للموارد المالية، سواء عبر مراقبة الصفقات العمومية أو متابعة التعويضات الممنوحة للمستشارين، مع تعزيز الرقابة على الامتيازات المالية الممنوحة لأصحاب النفوذ.

من جهتهم، عبّر فاعلون مدنيون وسياسيون، عن استيائهم العميق من هذه الممارسات، مؤكدين أن الأموال العمومية، التي تمثل مدخرات دافعي الضرائب، تُستنزف منذ سنوات بفعل الفساد والريع، في حين يجب أن تذهب هذه الأموال لتطوير المستشفيات والمدارس والطرقات. معتبرين كون الفساد هو العائق المركزي أمام كل الإصلاحات، مطالبين الجهات المختصة بعدم التساهل في محاسبة المسؤولين الذين يسيئون استخدام المال العام.

ويبقى الرهان الآن على نتائج التحقيقات والقرارات التي ستتخذها السلطات المختصة، والتي قد تعيد رسم حدود المساءلة وتضع حداً لسنوات من التلاعب بالصفقات والتعويضات الوهمية، لتعيد الثقة في المؤسسات وتؤكد جدية المغرب في مواجهة أي اختلال يهدد المال العام واستقرار الإدارة الترابية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى