سي أخنوش.. مبروك العيد!

 

إعلام تيفي _ الرباط

سي أخنوش،
مبروك العيد، ومبروك العمرة… تقبّل الله منكم طوافكم، ودعاء من التقيتم بهم في الحرم. لا شك أنهم حين صافحوكم في تلك الأروقة المقدسة، دعوا لكم من أعماق قلوبهم: دعاء خافت، صادق، فيه رجاء أن تُلهم، أو تُلزم، أو على الأقل “تحسّ شوية”. هناك، وسط الزحام، ربما لم تسمع كلماتهم جيداً، لكنها وصلت… وصلت بما يكفي لتوقظ ضميراً كان نائماً في إجازة رسمية.

نتخيلكم الآن، تعودون من تلك الرحلة الروحية، بصفاء داخلي، وهدوء مقصود، وذاكرة منتقاة لا تحتفظ سوى بلحظات السكينة. لا أثر لقفف مثقلة، ولا لأعين واجمة خلف طاولات البيع، ولا لموائد تتقلص كل مساء. فقط طمأنينة خالصة… وعيد ترتّب تفاصيله حاشية مُدربة من الخدم، لا يد بشر يعرف وجع الحاجة.

لكن دعني أخبرك يا سي أخنوش،
رمضان هذه السنة لم يكن شهرا من العبادة والتقوى فحسب، بل تحوّل إلى سلسلة يومية من محاولات التكيّف مع واقع يزداد قسوة. صيام عن الطعام؟ نعم. لكن أيضا صيام عن الكرامة، عن الراحة، عن الإحساس بأن الغد قد يكون أرحم من اليوم. صيام من نوع لا يُفطر بعده أحد.

وأنت، بصفتك رئيسا للحكومة، لا ننتظر منك أن تصنع المعجزات، بل أن تتكلم، أن تظهر، أن تقر بأن هناك خللا ما… أن تشارك الناس لحظة صعبة، لا أن تتركهم في عزّ الاختناق تُدبّر الشأن العام كأنك تُسيّرُ شركة من شركاتك الكبرى، فيها الأرقام مقدسة، والتقارير نبوءات لا تقبل الجدل.

الناس لم يعودوا يتحدّثون عن جودة العيش، بل عن القدرة على البقاء. ليسوا في حاجة إلى خطب تحفيزية، بل إلى من يفهم ببساطة أن من لا يملك ما يملأ به مائدته، لا تهمّه مؤشرات ولا خطط خماسية ولا بلاغات مُعقّمة.

في الأسواق، لم يكن الصمت اختيارا، بل حالة جماعية من الحيرة.
وفي البيوت، لم يكن رمضان طقسا روحيا فقط، بل اختبارا يوميا للقدرة على أن تكون أباً وأماً ومُواطناً ومُدبّراً… في آن واحد.

أما العيد، فجاء، كما يجيء كل سنة، حاملا معه سؤالا حارقا:
هل نحتفل؟
أم نكتفي بالابتسامة، ونؤجل الفرح إلى إشعار آخر؟

سي أخنوش،
الناس لا تريد أن تُشبهكم، بل فقط أن يشعر بهم من يُدبر شؤونهم. أن لا يظل غائبا حين يكون الحضور ضرورة. أن لا يدير الشأن العام وكأنّه صفقة معقّدة، بل مسؤولية أخلاقية وإنسانية أولا.

مبروك العيد، سي أخنوش.
مبروك على طريقتكم… المرتّبة، النظيفة، البعيدة عن الروائح القوية للسوق، والصرخات الخافتة للقلوب الضيّقة.

أما العيد الآخر، الحقيقي، فله قصة أخرى… تبدأ حين يتحدث من لا يتكلم، ويشعر من لا يَظهر، ويقرّ من لا يعترف.

وإلى ذلك الحين… كل عيد وأنتم في وادٍ، والناس في وادٍ آخر.
لكن لا بأس، ففي النهاية، حتى الوديان تلتقي ذات يوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى