مشروع نصب على عجل.. المحكمة الدستورية تسقط التعديلات الجديدة لقانون المسطرة المدنية

حسين العياشي
أصدرت المحكمة الدستورية قرارًا جديدًا يقضي بعدم مطابقة عدد من المواد الأساسية في قانون المسطرة المدنية للدستور، في خطوة حاسمة تعكس الرقابة الدستورية على القوانين بالمغرب، مما أثار نقاشًا عميقًا حول جودة التشريع وتوازن السلطة القضائية مع السلطتين التنفيذية والتشريعية.
القرار، الذي يحمل رقم 255/25 م.د والصادر بتاريخ 4 غشت الجاري، جاء بعد إحالة رسمية من رئيس مجلس النواب، تطلب التحقق من مدى مطابقة مشروع القانون رقم 23.02 المتعلق بالمسطرة المدنية لأحكام الدستور، خصوصًا في صيغته النهائية التي تم التصويت عليها من قبل غرفتي البرلمان.
يعيد هذا القرار الدستوري إلى الواجهة أسئلة عميقة حول مسار إعداد مشروع قانون المسطرة المدنية: هل جرى فعلاً صياغته على عجل، دون ما يلزم من التشاور والتدقيق؟ وكيف لمؤسسة تشريعية تتألف من 515 برلمانيا أن تجمع على هذا النص المعيب؟ تساؤلات تزداد إلحاحًا بالنظر إلى أهمية هذا النص، الذي يُعد من الركائز الأساسية للإجراءات القضائية بالمغرب، ويؤثر بشكل مباشر في مسار العدالة ويهم يوميًا مئات الآلاف من المتقاضين.
ومن أبرز المواد التي أسقطتها المحكمة، نجد المادة 17 التي كانت تمنح النيابة العامة صلاحية طلب بطلان المقررات القضائية النهائية التي تمس النظام العام، وهو ما اعتبرته المحكمة الدستورية مساسًا بمبدأ الأمن القضائي وخرقًا لقاعدة أن الأحكام القضائية النهائية ملزمة للجميع ولا يُمكن الطعن فيها إلا في حالات محددة.
كما رفضت المحكمة الفقرة الرابعة من المادة 84، التي تسمح بتسليم الاستدعاءات القضائية لأشخاص قد يُصرّحون فقط بأنهم وكلاء أو من ساكنة المعني بالتبليغ، دون ضمانات موضوعية أو سن قانوني واضح، مما يهدد حقوق الدفاع ويضع عبئًا غير مبرر على المكلفين بالتبليغ.
ومن المقتضيات المثيرة للجدل كذلك، الفقرة الأخيرة من المادة 90، التي تنظم حضور الأطراف للجلسات عن بُعد دون أن تنص على ضمانات كافية لحماية مبدأ التواجهية وحقوق الدفاع، كسلامة المعطيات الإلكترونية والتواصل الفوري.
أما على مستوى رقمنة القضاء، فقد قضت المحكمة بعدم دستورية بعض مقتضيات المادتين 624 و628، لأنها تمنح السلطة الحكومية المكلفة بالعدل صلاحيات في تدبير النظام المعلوماتي الخاص بتوزيع الملفات القضائية وتعيين القضاة إلكترونيًا، وهو ما اعتُبر مساسًا باستقلال السلطة القضائية وخرقًا لمبدأ فصل السلط.
ووجهت المحكمة انتقادًا واضحًا لتجاوز السلطة التنفيذية اختصاصاتها، وذلك من خلال إلغاء المادتين 408 و410 في الشق الذي يسمح لوزير العدل بطلب الإحالة على محكمة النقض بدعوى التشكك المشروع أو تجاوز القضاة لاختصاصهم، معتبرة أن هذا الدور يجب أن يُمارَس حصريًا من طرف رئيس النيابة العامة، حفاظًا على استقلال القضاء.
القرار الصادر عن المحكمة الدستورية لا يلغي المشروع برمّته، لكنه يُجبر المشرّع على مراجعة المواد غير المطابقة وإعادة صياغتها بما يتلاءم مع أحكام الدستور، لا سيما تلك المرتبطة بحقوق الدفاع، واستقلال القضاء، وضمانات المحاكمة العادلة.
وفي الوقت الذي تعيش فيه المملكة دينامية قانونية كبيرة استعدادًا للإصلاحات الهيكلية في قطاع العدالة، يشكل هذا القرار محطة مهمة لتصحيح المسار، وترسيخ دولة الحق والمؤسسات، وتذكير جميع الفاعلين بأن سمو الدستور ليس مجرد مبدأ نظري، بل سلطة عليا تحتكم لها جميع القوانين.