صفقات الحراسة والنظافة في المستشفيات.. ريع مقنّع على حساب المرضى

حسين العياشي

فضحت النقاشات الأخيرة داخل لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، معطيات مثيرة بشأن صفقات الحراسة والنظافة داخل المستشفيات والمراكز الاستشفائية الجامعية، حيث كشفت تدخلات برلمانيين عن وجود شبهات فساد عميقة تحيط بهذه الصفقات، تورطت فيها شركات أنشأها مقربون من وزراء وبرلمانيين نافذين.

حسب المعطيات المعروضة، استفادت شركات لا يتجاوز رأسمال بعضها عشرة آلاف درهم من صفقات عمومية ضخمة وصلت قيمتها أحيانًا إلى خمسين مليون درهم. والأدهى أن 70% من هذه الشركات ليست متخصصة في قطاع الحراسة أو النظافة، بل تأسست خصيصًا لاقتناص هذه العقود عبر مساطر مشبوهة، قائمة على الزبونية والمحسوبية والسمسرة السياسية.

ورغم المبالغ الطائلة التي ترصد لهذه الخدمات، فإن وضعية المستخدمين تبقى مأساوية. فبعض الشركات تفوّت على نفسها الصفقات بمعدل 8 آلاف درهم عن كل عنصر من عناصر الأمن الخاص، لكنها لا تمنح للعامل سوى 1500 درهم أو أقل، وهو ما يدفع العديد منهم إلى اللجوء إلى أساليب الابتزاز والضغط على المرضى وذويهم داخل المستشفيات. هذا الوضع الذي يحوّل مؤسسات يفترض أن تكون ملاذًا للعلاج إلى فضاءات للمعاناة المزدوجة، مع المرض والفقر.

من بين الأمثلة التي أثارت الجدل، حصول شركة أسستها شقيقة أحد كبار المسؤولين بوزارة الصحة على صفقات متكررة، دون أن تطالها أي مساءلة رغم تغيّر الوزراء وتعاقب المسؤولين. وتذهب الشبهات أبعد من ذلك، حيث يثار الحديث عن تورط مسؤولين إداريين ونقابيين في شبكات تواطؤ وتوزيع مصالح، ما يجعل ملفات الفساد هذه تتجاوز مجرد سوء التدبير إلى بنية متكاملة من المحاباة.

وزير الصحة والحماية الاجتماعية سارع إلى توضيح موقف وزارته، مؤكداً أن خدمات الحراسة والنظافة تم إخراجها من صلاحيات الوزارة منذ سنوات، وأصبحت تُدار في إطار الصفقات العمومية للتدبير المفوض. غير أن هذه التبريرات لم تقنع النقابات والفاعلين الحقوقيين، الذين شددوا على أن إلقاء المسؤولية على “الجهات المتعاقدة” لا يعفي الوزارة من واجب الرقابة وضمان الحد الأدنى من حقوق العمال وصون كرامة المرضى.

المنظمة الديمقراطية للشغل بدورها نبهت إلى خطورة استمرار هذا الوضع، معتبرة أن تفويت صفقات الحراسة والنظافة لشركات وهمية أو موسمية يضرب في العمق مبدأ تكافؤ الفرص ويكرس الريع المقنع، مشيرة إلى أن استغلال اليد العاملة بأجور هزيلة وغياب شروط الحماية الاجتماعية هو انتهاك صريح لمدونة الشغل والدستور.

الفضيحة تعيد إلى الواجهة ملف الحكامة في التدبير الصحي، وتطرح سؤال الشفافية في إسناد الصفقات العمومية، خصوصاً في قطاع حيوي مثل الصحة، حيث ينعكس الفساد بشكل مباشر على حياة المواطنين. ولعل ما يزيد الصورة قتامة هو غياب إجراءات حاسمة لمراجعة هذه العقود، وإعادة الاعتبار للعمال المغبونين، وضمان أن تكون المؤسسات الصحية فضاءً للرعاية لا مرتعًا للزبونية والاغتناء غير المشروع.

في النهاية، يظل إصلاح هذا القطاع مرهونًا بوجود إرادة سياسية حقيقية لتفكيك شبكات النفوذ والفساد، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وإعادة الاعتبار للقطاع الصحي كحق دستوري أساسي للمواطن المغربي، بعيدًا عن صفقات مشبوهة تلتهم المال العام وتعمق جراح المرضى والفئات الهشة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى