
حسين العياشي
كما جرت العادة، أطلق مجلس جهة كلميم وادنون، الذي تترأسه التجمعية امباركة بوعيدة، قبل أسابيع قليلة من اسدال الستار على السنة المالية، طلب عروض جديد يتعلق بتغطية مصاريف الإطعام والاستقبال، في صفقة تصل ميزانيتها إلى نحو 2,5 مليون درهم. ومن المقرر أن تُفتح أظرفتها في 18 دجنبر المقبل.
هذه الخطوة أعادت إلى الواجهة النقاش القديم حول طريقة تدبير الموارد المالية للجهة، لا سيما فيما يتعلق ببند “التنظيم والاستقبال” الذي ظل عرضة لانتقادات متكررة على مر السنوات. تكرار هذه الممارسات يترك السؤال معلقًا، هل يمكن اعتبار هذه الخطوة المتأخرة تعبيدًا للطريق أمام أموال دافعي الضرائب حتى لا تسترجعها الخزينة العامة؟ أليس من الأجدر أن يعاد توزيع هذا الفائض في الميزانية لتستفيد منه جهات هشة لا ترقى مواردها الى مستوى حاجياتها الأساسية بدل أن تصرف في “البذخ”؟ أين نحن من السياسة التقشفية التي يبرر بها رفض كل طلب لإصلاح مرفق عمومي حيوي؟
الصفقة التي تم إطلاقها، تتعلق وفق طلب العروض رقم 134/BR/RGON/2025، بتغطية تكاليف الإطعام والاستقبال لعدد من الوفود والأنشطة المرتبطة ببرامج الجهة، وقد تم تحديد ضمان مؤقت قدره 40 ألف درهم، فيما يتجاوز التقدير المالي للصفقة 2,5 مليون درهم. لكن مراجعة دفتر التحملات تكشف عن تفاصيل أكبر من مجرد “وجبات”، حيث تشمل خدمات ضيافة متكاملة تمتد من “السَلَطات الفاخرة” و”لحوم الجمل بالبخار”، مروراً بالحَلويات المغربية الراقية والمشروبات، وصولاً إلى كراء خيام كبيرة تتجاوز مساحتها 150 مترًا مربعًا، بالإضافة إلى شراء تذكارات فنية وهدايا تقليدية مثل “الملحفة” و”الدرّاعية” وعلب الشاي ومنتجات محلية.
وتشير مصادر مطلعة إلى أن دفتر التحملات، رغم التزامه من الناحية الشكلية بالقوانين المعمول بها في الصفقات العمومية، يعيد طرح نفس الإشكالات التي أُثيرت في دورات سابقة. فغالباً ما تُدرج نفقات الضيافة في حزم كبيرة تُفتح عادة في نهاية السنة، ليتم استهلاكها بسرعة، خشية أن تُعاد الاعتمادات غير المستعملة إلى الخزينة العامة.
وتضيف المصادر أن معظم هذه الأنشطة لا ترتبط ببرامج واضحة أو محاضر تثبت الحاجة إليها، ما يجعلها، وفقًا لأحد المنتخبين، “بابًا مفتوحًا للتأويلات السياسية”. في هذا السياق، سارع المستشار المعارض إبراهيم حنانة إلى مهاجمة الصفقة الجديدة، معتبرًا أنها “تعيد إنتاج نفس السيناريو المتمثل في تبديد المال العام”، ومذكّرًا بصفقة مشابهة انتقدها قبل عامين وانتهت بمتابعته قضائيًا والحكم عليه بتعويض مالي لفائدة الرئيسة.
وقد نشر حنانة على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي تدوينة قال فيها: “اليوم نفضح هذه الصفقة الجديدة، لعل وعسى أن تدعوني مرة أخرى.. السؤال هو: لماذا تنتظر الرئيسة نهاية السنة لتسريع هذه الصفقات؟”. كما تساءل عن سبب “عدم نشر تقارير المجلس الأعلى للحسابات أو تمكين الأعضاء منها”، مشيرًا إلى غياب الشفافية في بعض الإجراءات.
في المقابل، تؤكد مصادر مقربة من الأغلبية أن الجهة “تنظم عادة لقاءات رسمية وورشات عمل واجتماعات، تحتاج بالفعل إلى خدمات لوجيستية وإطعام”. وأشارت إلى أن “الصفقة لا تزال في مرحلة التنافس، وكل شيء يتم من خلال بوابة الصفقات العمومية، ما يضمن الشفافية”. ومع ذلك، اعترفت هذه المصادر أن “التوقيت” يتيح للمعارضة فرصة لتأويل القرار سياسيًا.
من المتوقع أن تكشف الجلسة العمومية لفتح الأظرفات، إضافة إلى التقرير اللاحق للجنة تقييم العروض، عن طبيعة المنافسة وحجم الاستجابة للعرض في منطقة لطالما كانت محور نقاش وطني حول حكامة تدبير المال العام داخل الجهات، خاصة في ما يتعلق ببنود الخدمات غير القابلة للقياس المباشر مثل الإطعام والاستقبال.




