صناعة الأزياء: تكلفة بيئية باهظة خلف بريق الموضة

اميمة المغاري: صحافية متدربة

هل تساءلت يومًا، قبل شراء تنسيقة من ملابس، عن تكلفتها البيئية بغض النظر عن سعرها المادي؟ أي مقدار المواد الطبيعية التي استهلكتها؟ وما هو حجم التلوث الذي ألقته في البيئة خلال عمليات التصنيع والصباغة والخياطة؟ وماذا نعرف عن المواد المستخدمة وتأثيرها إذا تم التخلص منها في حاوية القمامة وغيرها الكثير من الأسئلة المخفية خلف الفساتين الجذابة والقمصان الفاخرة.

قد يتغاضى معظم الناس عن الآثار الضارة التي تنتجها صناعة الملابس على كوكب الأرض. فالاهتمامات الحالية للإنسان تركز بشكل أساسي على الأناقة والشياكة والمظاهر الجذابة على ماذا سيلبس وهل ما يُرتديه مناسبا وهل هذا البنطالون يتناسب مع هذا القميص؟ دون أن يلقوا بالًا للتأثير السلبي الذي تتسبب فيه هذه الصناعة على البيئة فربما لا تكون لقطعة واحدة تأثير بيئي ملحوظ. ولكن ماذا عن تأثير150 مليار قطعة ملابس تنتجها المصانع سنويًا؟

الملابس ليست مجرد قطع قماش، بل تمثل عالم الموضة الذي يعتبر رمز  الإبداع، الأصالة، والهوية. تعتد واحدة من الصناعات الأكثر رواجًا وشعبية في العالم، حازت على مكانة هامة في الاقتصاد حيث تُدار مليارات الدولارات، خاصةً بعد ظهور العولمة التي اقنعت الملايين بثقافة الاستهلاك المرتفع، في محاولة لمواكبة أحدث الصيحات الحديثة

صناعة الأزياء بين الازدهار الاقتصادي والانهيار البيئي

لا يقتصر عالم الموضة على الجانب الايجابي بل يظهر في العمق واقع قاتم عند التفكير في تأثيره على بيئتنا حيث  يحمل في طياته جريمة، بداية من استهلاك كميات هائلة من الموارد الطبيعية تم توليد كميات كبيرة من التلوث والنفايات من زراعة المواد الخام إلى إنتاج الملابس وتعبئتها ونقلها.

ان صناعة الأزياء، بدون أدنى شك، واحدة من أكبر المسببات للتلوث حيث تعتبر ثاني أكبر ملوث عالميًا بنسبة 10% من إجمالي انبعاثات الكربون عالميًا ،فهي تسبب التلوث أكثر من قطاعات الشحن بالسفن والطيران والصناعة الجوية مجتمعة حيث كل سنة تستهلك صناعة الملابس حوالي 70 مليون برميل من النفط من اجل صناعة الياف البروسيتر فبرغم بما تتميز به هذه الاخيرة من قوة التحمل ومقاومة التآكل والتجاعيد وخفة الوزن فضلا عن سعره المنخفض يخلف خطرا وضررا كبيرا بالنظم الإيكولوجية الأرضية والمائية

ويعود ذلك إلى العوامل المتعلقة بالإنتاج والتصنيع

تشتمل هذه الصناعة على استخدام مجموعة واسعة ومتنوعة من المواد الكيميائية الضارة في عمليات الصبغ وتنظيف الأقمشة، حيث ان الألياف الصناعية المستخدمة في معظم ملابسنا، مثل البوليستر والنايلون، يتم تصنيعها من الوقود الأحفوري، وهذا يتسبب في انبعاث غازات مضرة مثل أكسيد النيتروز. حيث هذا الغاز يتجاوز ضرره ثلاثمائة مرة أكثر من ثاني أكسيد الكربون.

في نفس السياق تعتبر صناعة الملابس ثاني أكبر مستهلك للماء عالميًا بما يعادل 93 مليار متر مكعب من المياه النظيفة سنويًا، الى جانب القاء مياه التصنيع في الانهار والبحار دون معالجة حيث تستخدم أكثر من 8 آلاف مادة كيميائية في عملية تصنيع الملابس بداية من انتاج الألياف الى وصولها الى المتجر

موضة مستدامة: هل تنجح بدائل البيئة في كسر هيمنة الاستهلاك؟

في ظل التحولات البيئية الخطيرة والتلوث الواسع، تتزايد المخاوف حيال التهديد الحقيقي الناجم عن تغير المناخ، وتأثير النفايات الضارة، فضلاً عن استنزاف الموارد الأساسية، مما يؤثر بشكل مباشر على صحتنا وعلى بيئتنا الطبيعية. اذ ان صناعة الملابس مسؤولة ان اطلاق الألياف الدقيقة في المحيطات بما يعادل 50مليار زجاجة بلاستيكية اضافة إلى قطع 70 مليون طن من الأشجار سنويًا لتلبية حاجتها من الأقمشة…. فما كان الا إعادة التفكير في حل شامل وتحديث عالم الموضة بثورة الاستدامة حيث يُعرف هذا الاتجاه بالتخلي عن الأزياء الضارة واعتماد أسلوب حياة بطيء وتصاميم تُحافظ على البيئة. الهدف هو تخفيف الأثر الضار الذي تُسببه صناعة الملابس على البيئة والحياة البرية.

الازياء المستدامة، الموضة البطيئة أو صناعة الأزياء الإيكولوجية اهي طريقة ثورية لتصنيع الملابس، ترفض التلوث وتعتمد على مواد صديقة للبيئة. من المواد المستخدمة في المنسوجات القابلة للتدوير، حيث تعتبر هذه العملية قليلة التأثير ومنخفضة الاستهلاك، مع التركيز على تقليل الكربون في عمليات التصنيع. إنها تحطم قوانين الموضة السريعة وتؤكد على إعادة استخدام الملابس بدلاً من رميها في المحارق. بهدف تحقيق صفر نفايات بحلول عام 2030 ليبقى السؤال المطروح هل يمكن تحقيق هذا الهدف في ظل سيطرة صناعة الموضة السريعة في الأسواق وتبني ثقافة الاستهلاك؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى