طريق إيدودير ..حين يُعفى المنتخبون من واجبهم وتُكلّف الساكنة بمهمة الحكومة 

فاطمة الزهراء ايت ناصر 

في مشهد يختصر عمق الخلل التنموي واللامساواة المجالية، لم يجد سكان قبيلة إيدودير بجماعة سيدي بوعبد لي، ضواحي تيزنيت، خيارًا سوى أن يتحولوا إلى عمّال طرقات، يمسكون المعاول بأيديهم، وينفقون من جيوبهم الخاصة لتعبيد مسلك ترابي ظل لسنوات ينتظر التفاتة من الجهات المسؤولة.

ساكنة دوار "إيدودير بأيت براييم. حينما تصنع الإرادة طريق الأمل بإقليم تيزنيت جريدة موند بريس أخبار

ما حدث في هذا الدوار ليس فقط مبادرة تضامنية محلية تستحق التنويه، بل هو في جوهره شهادة إدانة صريحة في حق المؤسسات المنتخبة التي تركت المواطنين يواجهون العزلة وحدهم، دون دعم، ولا حتى تصريح يبرر الغياب.

بين مدن المونديال والمغرب العميق.. سابقة تاريخية تكشف مهزلة التسيير الجماعي: ساكنة دوار "إيدودير" بتزنيت تشق الطريق بأيديها وتفضح عجز المجالس المنتخبة! - "الوطن 24"الصور المتداولة من دوار إيدودير تُظهر رجالًا ونساءً وشبابًا يتعاونون في تعبيد مسار ترابي بالحجارة والأتربة، مستخدمين وسائل بدائية في غياب تام لأي دعم رسمي، لا من حيث المعدات ولا حتى المواكبة التقنية.

هؤلاء لم ينتظروا الجرافات ولا الوعود الانتخابية التي تذوب مع انتهاء الحملة، بل قرروا أن يتحملوا كلفة طريقهم بأنفسهم، رغم ضعف إمكانياتهم، لأن الطريق لم تعد ترفًا بل ضرورة لحياة يومية، لنقل المرضى، وذهاب الأطفال للمدرسة، وجلب المؤن.

ورغم أن هذا التحرك يعكس وعيًا جماعيًا ومسؤولية مدنية عالية، إلا أنه يضعنا أمام صورة صادمة لعجز الحكومة على الوفاء بأبسط التزاماتها تجاه ساكنة المناطق النائية.

بين مدن المونديال والمغرب العميق.. سابقة تاريخية تكشف مهزلة التسيير الجماعي: ساكنة دوار "إيدودير" بتزنيت تشق الطريق بأيديها وتفضح عجز المجالس المنتخبة! - "الوطن 24"ما يزيد من مرارة المشهد، هو أن أصوات هذه الساكنة نفسها كانت قد منحت الثقة لمنتخبين كُثر، وعدوا بفك العزلة وتوفير الماء والكهرباء والنقل، لكنهم اختفوا بمجرد إعلان النتائج، وتركوا المواطنين وجها لوجه مع التهميش.

ففي ظل غياب أي متابعة أو محاسبة، أصبح من السهل على بعض المنتخبين أن يُتخموا الحملات الانتخابية بالوعود، دون أدنى التزام بتحقيقها. وحدها الساكنة من تدفع الثمن، أحيانًا من وقتها، وأحيانًا من مالها، وفي كل الحالات من كرامتها.

الطريق التي شقتها ساكنة إيدودير بأيديها ليست سوى رمز لواقع أوسع، واقع مغرب يسير بسرعتين، حيث تنعم جهات بمشاريع البنية التحتية الحديثة، وتُترك أخرى في هوامش الخريطة تنتظر رحمة الانتخابات أو تدخلات موسمية، أمام غياب تام لأي أثر ملموس للبرامج المعلنة لفك العزلة وتحقيق العدالة المجالية في العالم القروي.

ورغم ما ترفعه المجالس المنتخبة، محليًا وإقليميًا وجهويًا، من شعارات تنموية، إلا أن صمتها المطبق تجاه معاناة المواطنين يفضح واقعًا تعيشه عشرات الدواوير التي لا تُستحضر إلا خلال المواسم الانتخابية، حيث تُوظف كأوراق انتخابية، بينما تظل خارج حسابات التنمية، في ظل غياب الشفافية وتبديد المال العام دون أثر حقيقي على الأرض.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى