طنجة.. تحويل دار الشباب إلى مصحة خاصة يثير غضب ساكنة حي رياض

حسين العياشي

في الوقت الذي تعج فيه شوارع المغرب بموجة احتجاجات شبابية تطالب بالكرامة والعدالة والحق في الحياة، كانت مدينة طنجة على موعد مع قصة من نوع آخر، قصة إقصاءٍ صامت لا يُمارس عبر الخطابات أو القوانين، بل يُرسم على الخرائط. هناك، في حي رياض أهلا، سُرقت من الشباب فضاءاتهم قبل أن تبصر النور، بعدما تحوّلت أرض مخصصة لبناء دار للشباب إلى مشروع مصحة خاصة، في خرقٍ صارخ لتصميم التهيئة، وسط شبهات تواطؤ بين لوبي عقاري نافذ وبعض المسؤولين المحليين.

سكان حي رياض أهلا، يؤكدون أن ما حدث لم يمر عبر التشاور أو الإعلان، بل تمّ في صمت مطبق، وفي خرق واضح لتصميم التهيئة المعتمد. الأرض المعنية مصنفة ضمن التجهيزات الجماعية، أي ضمن الفضاءات العامة التي لا يجوز استغلالها لأغراض تجارية أو ربحية، إلا وفق مساطر شفافة ومعللة. غير أن الساكنة تؤكد أن تعديل التصميم الأصلي تمّ في الكواليس، دون أي تفسير، في خطوة أثارت استنكارهم وغضبهم.

ولاتعتبر الساكنة هذه الواقعة منعزلة، إذ سبق أن فقدت المنطقة مدرسة ابتدائية ومرفقًا رياضيًا بنفس الطريقة، مما يجعلهم يرون نمطًا ممنهجًا لتحويل المرافق الجماعية إلى مشاريع استثمارية خاصة، تحت غطاء “التنمية المحلية”. هكذا، تتحول المدينة من فضاء لخدمة الإنسان إلى سوق مفتوح أمام المصالح والنفوذ، يقول السكان بغضب.

تؤكد ساكنة حي رياض أهلا، أن عمدة طنجة لم يتفاعل مع مطالبهم واحتجاجاتهم، رغم كل المحاولات للتواصل معه بشأن المشروع. كما حاول موقع “إعلام تيفي”، التواصل مع العمدة للحصول على توضيحات، في السياق ذاته، لكن دون جدوى، ما زاد من شعور الحي بالإهمال والتهميش.

السكان يصفون ما جرى بأنه ليس مجرد تلاعب إداري أو فساد عقاري، بل هو انعكاس لعمق أزمة الحكامة المحلية، وغياب الرقابة الفعلية على تدبير المجال الترابي. الخرائط التي كان يفترض أن تعبّر عن رؤية جماعية للتنمية، أصبحت أداة بيد بعض اللوبيات لتوجيه المدينة وفق منطق الربح السريع، على حساب العدالة المجالية وحقوق المواطنين.

تؤكد ساكنة رياض أهلا، أن دار الشباب ليست مجرد بناية من إسمنت وحديد، بل هي حق جيل كامل في التعبير والانتماء والمواطنة. وعندما تُحوّل هذه الفضاءات إلى مشاريع ربحية مغلقة، فإن الرسالة للشباب واضحة ومؤلمة: لا مكان لكم حتى في الخرائط.

وفي ظل موجة الاحتجاجات الشبابية المتصاعدة في المغرب، تضيف الواقعة بعدًا رمزيًا كبيرًا، إذ تُسلب من الشباب رمزية المكان الذي كان من المفترض أن يحتضن أحلامهم وطموحاتهم.

وفي النهاية، تبقى طنجة أمام اختبار حقيقي لقدرتها على حماية مصالح ساكنتها وفضاءاتها العمومية، وضمان أن تتحول التنمية إلى رافعة للكرامة والعدالة، لا إلى غطاء للمصالح الضيقة. فالمدينة تحتاج إلى إشراك المواطنين في كل قرار يمس حياتهم اليومية، وإرساء آليات شفافة للمساءلة والمحاسبة، حتى تصبح الخرائط أدوات للتنمية العادلة لا للربح الفردي.

وإذا استمر الصمت والتجاهل، فإن ما يُفقد اليوم من حقوق الشباب والمساحات العمومية لن يُسترد غدًا إلا بتضامن كل مكونات المجتمع المدني، من أجل طنجة كما يجب أن تكون: مدينة للجميع، تحتضن طموحات أبنائها وتكرّم مواطنيها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى