طوفان الرسائل الغامضة يربك هواتف المغاربة ويكشف هشاشة الدرع الرقمي

حسين العياشي

شهدت شبكات الاتصالات في المغرب خلال الأيام الأخيرة موجة غامضة ومتنامية من الرسائل القصيرة المجهولة، أغرقت هواتف عدد كبير من المستخدمين بسيل من “SMS” غير الموقَّعة تحمل رموزاً مبعثرة وشعارات غير مفهومة وأرقاماً دولية لا يعرف لها مصدر. ورغم عمليات التبليغ المتكررة عنها بوصفها رسائل مزعجة، تعود هذه الرسائل للظهور بعد ساعات، في ما يشبه حلقة مفرغة تزيد منسوب القلق وتثير أسئلة حادة حول مستوى الحماية الرقمية وفعالية أنظمة رصد المحتوى الاحتيالي في السوق المغربية.

هذه الظاهرة التي بدأت على نطاق ضيّق في نهاية الأسبوع الماضي، سرعان ما تمددت لتشمل مستعملي الشبكات الثلاث، ما جعلها حديث المنصات الاجتماعية. فالشكايات المتداولة بكثافة تكشف أن مضمون الرسائل لا يتضمن روابط واضحة أو نصوصاً مفهومة، بل مزيجاً من حروف متناثرة وأيقونات غريبة ورموز غير مقروءة، تُرسل في كثير من الأحيان على شكل دفعات خاطفة قد تصل إلى عشرين رسالة في دقيقة واحدة، لتُحوِّل هواتف البعض إلى ما يشبه هدفاً لنيران رقمية عشوائية.

هذا الأسلوب غير المألوف يوحي، وفق مختصين في المجال، بأن الأمر لا يتعلق بحملة إشهارية أو احتيالية تقليدية، بقدر ما يبدو أقرب إلى عملية آلية واسعة تُدار عبر خوادم متغيرة، تتخفّى خلف عناوين رقمية افتراضية، وتغيّر هويتها باستمرار، ما يجعل مهمة حجبها معقدة حتى بالنسبة إلى أنظمة التصفية المتقدمة المدمجة في الهواتف الذكية وتطبيقات المراسلة.

ورغم توسّع استخدام خاصية “التبليغ عن الرسائل الاحتيالية” خلال السنوات الأخيرة، يشكو كثير من المستعملين من محدودية أثرها في وقف هذا السيل. بعضهم يؤكد أن الرسائل تعود في فترات وجيزة، ولكن بهويات رقمية مختلفة، ما يعزز فرضية لجوء الجهات المرسلة إلى تقنية “تبديل الهوية الرقمية” لتجاوز خوارزميات الحظر المعتمدة من طرف المتعاملين وشركات تطوير أنظمة التشغيل. وهي تقنية تستعمل عادة في حملات التصيّد التي تستهدف أسواقاً واسعة ومتشعبة كالسوق المغربية، حيث ترتبط نسبة معتبرة من المعاملات المالية اليومية بخدمات الهاتف المحمول.

في الجهة المقابلة، تتجه أصابع الانتقاد نحو شركات الاتصالات، ليس فقط بسبب استمرار تدفق الرسائل، بل أيضاً لغياب بلاغات توضيحية أو تنبيهات رسمية تُطمئن الرأي العام وتشرح طبيعة ما يجري. وقد زاد من حدة المخاوف تزامن هذه الحملة مع ورود مكالمات دولية قصيرة مجهولة المصدر لدى بعض المستعملين، ما دفع كثيرين إلى ربط الظاهرتين ببعضهما، والتخوف من أن يكون الأمر مقدمة لاختراقات أوسع تستهدف بيانات حساسة مخزّنة في الهواتف.

وتتجاوز المخاوف حدود الإزعاج اليومي إلى ما هو أعمق، في ظل تحوّل الهاتف الذكي إلى خزنة شخصية تحمل كل شيء تقريباً: معطيات بنكية، ومعاملات مالية، وصور خاصة، ووثائق إدارية، وسجلات محادثات، وشبكة واسعة من كلمات المرور المرتبطة بحياة الأفراد المهنية والشخصية. أي اختراق محتمل في هذا السياق لا يبدو مجرد حادث عابر، بل تهديداً مباشراً لبنية الثقة في المنظومة الرقمية برمتها.

أمام هذا المشهد، ومع استمرار التدفق المتقطع لهذه الرسائل الغامضة، تتصاعد المطالب بتدخل عاجل من الجهات المسؤولة عن أمن الاتصالات، سواء عبر تعقّب المسارات التقنية لهذه الحملة وتحديد مصادرها، أو عبر إطلاق حملات توعوية موجهة للمستعملين، تتضمن إرشادات دقيقة حول السلوكيات الوقائية، من قبيل عدم التفاعل مع أي رسالة مجهولة، وعدم مشاركة معطيات شخصية أو مالية تحت أي ظرف، وتحيين أنظمة الحماية في الهواتف والتطبيقات بشكل دوري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى