“الطياب الجديد هو هذا”

“الطياب الجديد هو هذا”

برعلا زكريا

في زمنٍ مضى، كان جدي يافعا يدرس القرآن الكريم بأحد الدواوير. وذات يوم، كلفه أصدقاؤهُ بالذهاب للسوقِ لشراءِ “دلاحةٍ”.

كانَ الجوُّ حارًّا للغاية، وعندما وصلَ جدي إلى بائعِ “الدلاح”، سألهُ عن ثمنِها، فقالَ لهُ البائعُ: “2 ريال”.

طلبَ جدي من البائعِ أن يفتح الدلاحةَ قبلَ شرائها (يطبعها)،فوافقَ البائعُ لكنه اشترط أن يتسلم ثمنها أولا.

بعدَ أنْ دفعَ جدي ثمنَ الدُّلاحةِ وفتحَها، اكتشفَ أنّ جوفها أخضر اللونِ وليس أحمرا كما كان يتوقع !

غضبَ جدي وطلب استرداد مبلغ 2 ريال لكن البائع رفض، فقرر جدي أن يشكوه عندَ شيخِ القبيلة.

وبعد رحلة طويلة في عز حر الصيف، حاملا “الدلاحة” في زحام السوق وهي تسيل بسبب فتحها، وصل أخيرا جدي عند شيخ القبيلة، وكان شخصا مهيبا ذو لحية بيضاء كثة.
فاستمعَ الشيخ لمظلمة جدي باهتمامٍ، ثمّ أخذ وقتا للتفكير أخرج خلاله كيسا صغيرا به مسحوق غامق اللون(طابا). وبعد أن استنشق سطرين وأطلق عطسة مدوية خاطب جدي بنبرة صوت واثقة : “يا بني، طايبة ما طايبة وخضرا ما خضرا، والطيابُ الجديدُ هو هذا”. وكان حكم الشيخ أن يرد البائع نصف ثمن “الدلاحة” وهو ريال واحد.

فهمَ جدي معنى كلامِ الشيخِ، فقررَ أنْ يرضى بالواقعِ ويقبلَ (الدُّلاحةَ) كما هي ويرضى باستعادة ريال من أصل اثنين.

ثم عادَ إلى أصدقائهِ، وأخبرهم بما حدثَ أثناء تناولهم “الدلاحة”.

هذه القصة الواقعية لا زلت أردد فصولها بعد عدة سنوات من سماعها، وبعد وفاة جدي (رحمه الله وأحسن مثواه). ومن خلال إسقاطها على واقعنا المعيش يمكن استخلاص عبر كثيرة أهمها القناعةُ، وأنْ نرضى بما لدينا، ونُقدّر نعمَ اللهِ علينا، فليسَ كلُّ ما نتمناهُ يُمكنُنا الحصولُ عليه.

من جهة أخرى، فالصبرُ مفتاحُ الفرج، فقد لقي جدي في هذهِ الحكايةِ بعضَ الصعوباتِ، لكنّهُ تحلّى بالصبرِ، وواجهَ الموقفَ بحكمةٍ، ممّا أدّى إلى حلِّ المشكلة.

تُعلّمُنا هذهِ الحكايةُ دروسًا مهمّةً في الحياةِ، مثلَ القناعةِ والصبرِ والتعاونِ والحكمةِ، ففي خضمِّ صراعاتِ الحياةِ، يجبُ علينا أنْ نتسلّحَ بهذهِ الصفاتِ، لِنَعبُرَ طريقَنا بِسلامٍ ونصلَ إلى أهدافِنا.
كذلك يمكن حل المنازعات بين الناس إذا كان بيننا حكماء ووجهاء يعدلون الكفة بمبدأ لا ضرر ولا ضرار كما فعل شيخ القبيلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى