عريوة: غلاء الأدوية يهدد حياة المغاربة والإصلاح لم يعد يحتمل التأجيل

حسين العياشي

في لحظة يغلب عليها القلق من غلاء المعيشة وتراجع القدرة الشرائية للمغاربة، اختار محمد عريوة، نائب رئيس “الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة الحق في الحياة”، أن يفتح واحداً من أكثر الملفات حساسية في الحياة اليومية للمواطن: أسعار الأدوية. في تصريح خص به “إعلام تيفي”، بدا المتحدث وكأنه يضع إصبعه على جرح ينزف منذ سنوات، حين اعتبر أن عقلنة أسعار الأدوية لم تعد خياراً تقنياً بقدر ما هي ورش وطني يمس الحق في العلاج وكرامة كل المواطنين على حد سواء.

عريوة ربط هذا النقاش بسياق مؤسساتي مهم، وهو إحداث الوكالة الوطنية للأدوية والمنتوجات الصحية، التي اعتُبرت إحدى اللبنات الأساسية في الإصلاح الملكي الشامل للمنظومة الصحية. لكن الرجل، القادم من قلب الحركة النقابية، شدد على أن هذا الورش سبق أن طالبوا به كنقابات وهيئات حقوقية منذ سنوات، وأن الانتظار قد طال أمده. فالمغاربة، في نظره، يستحقون أسعاراً عادلة للأدوية تتماشى مع إمكانياتهم، وليس مع منطق الربح الذي يثقل جيوبهم.

صحيح أن الوزارة اتخذت خطوات اعتُبرت إيجابية، مثل تقليص الضريبة على الأدوية، لكن عريوة يرى أن هذا القرار، رغم أهميته، ليس سوى مسكن ظرفي لا يواجه عمق الأزمة. المواطن البسيط، وحتى المنتمي للطبقة المتوسطة، ما يزال يجد نفسه عاجزاً عن شراء بعض الأدوية، خاصة تلك الخاصة بالأمراض المزمنة، لأن أسعارها تفوق قدرته بأضعاف مضاعفة. “لا يعقل أن يظل المواطن مهدداً في حياته فقط لأنه لم يتمكن من شراء دواء”، يقول بنبرة تحمل الكثير من المرارة.

عريوة، لم يخف وجود ضغوط من داخل القطاع نفسه. فبعض الصيادلة، خاصة في المناطق التي تشهد إقبالاً ضعيفاً على الأدوية، يتخوفون من أن تؤدي سياسة التخفيض إلى تهديد توازناتهم المالية. لكنه يدعو إلى مقاربة ذكية، تفرق بين من يحتاج إلى دعم خاص وامتيازات إيجابية، وبين من ينشط في مناطق تعرف حركية كبيرة وتتيح له أرباحاً كافية. بالنسبة إليه، هذا التمايز ضروري لكنه لا يمكن أن يكون ذريعة لتعطيل إصلاح شامل انتظره المواطنون طويلاً.

في العمق، يعتقد المتحدث أن ما يعرقل الحوار الجاري بين الوزارة والصيادلة هو تلك العقلية التي لا تزال تربط الماضي بالحاضر، وتعتبر أن انخفاض الأسعار مساس مباشر بالمصالح. لكنه يرد بحزم: “الظرفية اليوم تجاوزت هذه الحسابات الضيقة، والمصلحة العامة يجب أن توضع فوق كل اعتبار”.

ومن أجل بلوغ هذا الهدف، يطرح تصوراً يقوم على توسيع دائرة الفاعلين: المستثمرون، مختبرات الأدوية، الشركات المستوردة للمواد الأولية، جميعهم مدعوون إلى الانخراط في مشروع وطني واحد يضع نصب عينيه توفير الدواء بسعر عادل وسهل المنال. أما وزارة المالية، فينتظر منها أن تلعب دوراً محورياً من خلال سياسات جبائية محفزة تخفف العبء عن القطاع.

في نهاية حديثه، بدا عريوة وكأنه يوجه نداءً جماعياً، حين أكد أن الإصلاح المنشود لا يمكن أن يتحقق إلا إذا بُني على روح وطنية صادقة، روح تجعل الأطراف المختلفة تلتقي على أرضية مشتركة. “الدواء ليس سلعة عادية”، يضيف، “إنه مسألة حياة أو موت، ولا يمكن أن يظل رهين المصالح الضيقة، بل يجب أن ينحاز أولاً وأخيراً للمواطن”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى