عنترة لـ”إعلام تيفي”:”النموذج التنموي عقد اجتماعية تقتضي التزامًا جماعيًا يتجاوز الشعارات”

فاطمة الزهراء ايت ناصر

أكد الدكتور مصطفى عنترة، الكاتب الصحفي والمحلل السياسي، أن خطاب العرش لسنة 2025، الذي ألقاه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أعاد بقوة ملف النموذج التنموي الجديد إلى واجهة النقاش العمومي، ليس باعتباره مجرد وثيقة مرجعية تقنية، بل كمشروع وطني متكامل، وكرسالة سياسية صريحة تسلط الضوء على الاختلالات البنيوية التي لا تزال تعيق مسار التنمية الاجتماعية والاقتصادية في المغرب.

وأوضح عنترة، في تصريح خصّ به موقع “إعلام تيفي”، أن الخطاب الملكي جاء حافلًا بنبرة نقدية هادئة ولكن حازمة، عبّرت عن خيبة أمل ضمنية من بطء وتيرة التنزيل، رغم وفرة المخططات، وتعدد البرامج التي تم الإعلان عنها خلال السنوات الأخيرة، مما يعكس فجوة واضحة بين الرؤية الاستراتيجية والواقع التنفيذي.

وأضاف المتحدث أن الملك محمد السادس شدّد، بشكل لا لبس فيه، على أن المنجزات الاقتصادية والبنى التحتية، على أهميتها، تبقى بلا معنى إذا لم تنعكس إيجابًا على الحياة اليومية للمواطنين، خاصة في المناطق المهمّشة التي لا تزال ترزح تحت وطأة الفقر والهشاشة وضعف الولوج إلى الخدمات الأساسية. مشيرًا إلى أن الإنسان، وكرامته، هو جوهر المشروع التنموي، لا الأرقام المجردة والمؤشرات التقنية.

وذهب عنترة إلى أن الخطاب الملكي كشف عن ازدواجية مقلقة في إيقاع التنمية، حيث يسير المغرب بسرعتين متفاوتتين: مدينة تُراكم الامتيازات، وقرية تُراكم الإقصاء. وهي فوارق مجالية صارخة تُبرز غياب العدالة الترابية، وتُضعف شروط التماسك الاجتماعي.

وفي هذا السياق، ذكّر الدكتور عنترة بأن اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، التي انطلقت أشغالها سنة 2019، صاغت تصورًا استراتيجيًا طموحًا يرتكز على ثلاثية: “مغرب الإدماج، مغرب الكفاءات، مغرب الاستدامة”. غير أن هذا التصور، الذي اعتُبر حينها خريطة طريق جديدة، عرف نوعًا من التراجع في الحضور ضمن السياسات العمومية، إلى درجة بات يُطرح السؤال حول مدى تحوّله من وثيقة مرجعية إلى مجرد إعلان نوايا معلّق في الهواء.

وفي تحليله لجذور الإشكال، أكد عنترة أن العجز لم يعد في مستوى التشخيص أو تحديد الأولويات، فالصورة باتت واضحة لدى الجميع، بل يكمن التحدي الحقيقي في الإرادة السياسية الصادقة، وفي آليات التنفيذ، وتجاوز البيروقراطية الإدارية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، معتبرًا أن التجارب التنموية الرائدة لم تنجح إلا حينما امتلكت النخب الحاكمة القدرة على تحويل الرؤية إلى فعل.

وحمّل الدكتور عنترة الأحزاب السياسية مسؤولية مؤسساتية وأخلاقية، لكونها فشلت في تأطير المواطن، وفقدت تدريجيًا وظيفتها كمصنع للأفكار والمشاريع المجتمعية، وانساقت بدل ذلك وراء حسابات ظرفية وانتخابوية، مبتعدة عن رهانات البناء الديمقراطي والتنمية المستدامة.

وختم الدكتور حديثه بالتأكيد على أن النموذج التنموي الجديد ليس ورقة تقنية معزولة، بل هو عقد اجتماعي جامع، يتطلب انخراطًا مسؤولًا من مختلف الفاعلين: الدولة، الحكومة، الجماعات الترابية، الأحزاب السياسية، المجتمع المدني، بل وحتى المواطن العادي، لبناء مغرب العدالة الاجتماعية والمجالية، مغرب قوي بمؤسساته، متماسك بمجتمعه، ومتقدم باقتصاده، بعيدًا عن منطق التسويف أو لغة الوعود الجوفاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى