
حسين العياشي
مع اقتراب موعد تقييم دولي جديد، دخلت السلطات المالية المغربية مرحلة تعبئة شاملة لإبراز ما تحقق من تقدم في مجال مكافحة غسل الأموال، في سياق دولي يتسم بتشدد متزايد في المعايير والرقابة. غير أن هذا الاستعداد لا يخلو من تحديات حقيقية، في مقدمتها تنامي استخدام العملات المشفّرة والمنتجات المالية المستحدثة، التي ما تزال تشكّل بؤر قلق رئيسية لدى الخبراء الدوليين.
وفي هذا السياق، استقبل المغرب، في أواخر شهر نونبر الماضي، وفدًا دوليًا حلّ بالمملكة وعقد اجتماعًا رفيع المستوى مع رئيس الحكومة عزيز أخنوش، بحضور عدد من الوزراء ومسؤولي المؤسسات الوطنية المعنية. وشكّل هذا اللقاء محطة رسمية لإطلاق الجولة الثالثة من عمليات التقييم، وهي عملية طويلة الأمد من المرتقب أن تمتد إلى غاية مناقشة واعتماد التقرير النهائي في ماي 2028.
خلال هذا الاجتماع، طفت مجموعة من الملفات الحساسة على طاولة النقاش، لكن أبرزها وفق المصادر، كان حول الثغرات التي ما تزال تسمح باستغلال بعض جوانب النظام المالي المغربي في عمليات غير مشروعة، خصوصًا عبر العملات المشفّرة. فقد سبق لبنك المغرب أن دق ناقوس الخطر بشأن هذه العملات، محذرًا من استعمالها داخل التراب الوطني، ومؤكدًا أنها تشكّل نشاطًا غير قانوني ومحفوفًا بالمخاطر، سواء بسبب غياب حماية المستهلكين، أو هشاشة منصات التداول، أو ارتفاع احتمالات التعرض للسرقة والاحتيال، فضلًا عن التقلبات الحادة في قيمتها.
كما أن هذه الأصول الافتراضية تتيح، بحسب البنك المركزي، فرصًا كبيرة لاستعمالها في غسل الأموال أو تمويل الإرهاب، مع قدرة واضحة على الإفلات من الأطر التنظيمية المعمول بها.
ويشير تقرير التقييم المتبادل الصادر عن مجموعة العمل المالي إلى أن المغرب لم يقم، إلى حدود الفترة التي يغطيها التقرير، بتحديد المخاطر المرتبطة بالمنتجات المالية الجديدة على المستوى الوطني. كما أن التشريع الجاري به العمل لا يفرض على قطاعات التأمين، أو أسواق الرساميل، أو مكاتب الصرف، التزامًا صريحًا بتقييم المخاطر الناجمة عن المنتجات المبتكرة أو الممارسات المهنية المستجدة. الأمر ذاته ينطبق على المؤسسات المالية، التي لا تُلزم قانونًا بإجراء تقييم مسبق للمخاطر قبل إطلاق خدمات جديدة أو اعتماد تقنيات حديثة.
ويضيف التقرير أن تشديد المراقبة على المعاملات المرتبطة بالأصول الافتراضية لم يُترجم، إلى حدود الآن، إلى فرض عقوبات رادعة في حق المخالفين، كما أن فريق التقييم لم يعثر على سند قانوني واضح ينص صراحة على حظر الأصول الافتراضية، باستثناء دوريات وبلاغات تحذيرية موجهة إلى العموم والمؤسسات المالية.
أما على مستوى التعاون الدولي، فيسجّل التقرير وجود مجهودات في مجال تبادل المعلومات، لكنها تظل محدودة ولا تشمل بعد الأصول الافتراضية ولا مقدمي خدماتها، وهو ما يشكل نقطة ضعف إضافية في منظومة المواكبة العابرة للحدود.
من جهته، أصدر مكتب الصرف مذكرة حذّر فيها من لجوء بعض الأشخاص الذاتيين والمعنويين إلى استعمال العملات المشفّرة أو التصريح بقبولها كوسيلة للأداء، مذكرًا بأن هذه الممارسات تشكل خرقًا صريحًا لقوانين الصرف وتعرّض مرتكبيها لعقوبات قانونية. كما شدد المكتب على المخاطر المرتفعة المرتبطة بهذه العملات، التي لا تصدر عن أي جهة رسمية، ويظل حاملوها في الغالب مجهولي الهوية. وأكد مكتب الصرف أنه يعمل بتنسيق مع بنك المغرب والمجموعة المهنية لبنوك المغرب لمواكبة تطورات هذا المجال ومراقبة ما يرتبط بالأصول المشفّرة.
في ضوء هذه المعطيات، يجد المغرب نفسه أمام اختبار دقيق، ليس فقط لإقناع المقيّمين الدوليين بصلابة منظومته القانونية والمؤسساتية، بل أيضًا لردم الهوة بين سرعة الابتكار المالي وقدرة التشريع والرقابة على مواكبته، في زمن لم تعد فيه المخاطر تقليدية، ولا الحدود كافية لاحتوائها.





