غياب العدالة والتنمية يطبع افتتاح مؤتمر الاتحاد الاشتراكي

فاطمة الزهراء ايت ناصر
شهدت مدينة بوزنيقة، مساء اليوم الجمعة، انطلاق أشغال المؤتمر الوطني الثاني عشر لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في أجواء سياسية لافتة غاب عنها حزب العدالة والتنمية، في مؤشر يعكس عمق الخلافات التي تفاقمت بين الحزبين خلال الفترة الأخيرة.
فقد اختار حزب المصباح مقاطعة الجلسة الافتتاحية، وهو ما فسر من قبل المتتبعين على أنه موقف سياسي متعمد يعكس استمرار التوتر بين الطرفين، بعد سلسلة من الخلافات داخل المعارضة البرلمانية.
وتعود جذور هذا الخلاف إلى انسحاب الاتحاد الاشتراكي من تنسيق مشترك كانت تقوم به أحزاب المعارضة بخصوص مبادرة ملتمس الرقابة ضد الحكومة، وهو القرار الذي اعتبره العدالة والتنمية تنصلا غير مبرر من التزامات المعارضة، بينما يرى حزب الوردة أن الحزب الإسلامي يمارس الهيمنة والتنمر السياسي في إدارة العمل المشترك. كما ساهم الصراع حول من يقود المعارضة البرلمانية في تعميق الهوة، حيث يتمسك كل طرف بأحقيته في لعب هذا الدور.
ويتنافس الحزبان على قيادة المعارضة في المشهد السياسي ؛ إذ يعتبر كل منهما نفسه الأحق بتمثيل المعارضة والحديث باسمها في مجلس النواب، وحسب متتبعين للشأن السياسي الاتحاد الاشتراكي يرى أنه الأحق بهذا الدور نظرا لامتلاكه أكبر عدد من المقاعد في المجلس، بينما يعتبر حزب العدالة والتنمية أن له وزنا سياسيا أكبر وتأثيرا أوسع في الساحة الوطنية.
ويرى بعض المتتبعين أن جذور الخلاف بين الحزبين تعود إلى سنة 2018، حين طالب حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالحصول على إحدى الحقائب الوزارية خلال مفاوضات تشكيل الحكومة التي قادها عبد الإله بنكيران، في وقت ظل فيه المغرب لأكثر من خمسة أشهر دون حكومة بعد تكليف الملك محمد السادس لبنكيران بتشكيلها.
وقد شكل ذلك الطلب أحد أسباب التوتر بين الطرفين، إذ اعتبره حزب العدالة والتنمية محاولة لفرض منطق المحاصصة السياسية، فيما رأى فيه الاتحاد الاشتراكي حقاً مشروعاً باعتباره حزبا ذا وزن سياسي وتاريخي.
وساهم اختلاف المرجعيات الفكرية بين الحزبين في توسيع الهوة بينهما، فحزب العدالة والتنمية ذو توجه إسلامي محافظ، بينما يقوم الفكر الاتحادي على المبادئ الاشتراكية الاجتماعية، ما جعل التقاطعات السياسية بينهما محدودة رغم بعض فترات التقارب الظرفي.
ورغم هذا الغياب المثير للجدل، تميزت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر بحضور وازن لعدد من الشخصيات السياسية والنقابية من مختلف الأطياف، يتقدمهم رئيس الحكومة ورئيس حزب التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش، ورئيس مجلس النواب راشيد الطالبي العلمي، والقيادي في حزب الأحرار ووزير العدل الأسبق محمد أوجار.
كما حضرت فاطمة الزهراء المنصوري، وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، وعبد اللطيف وهبي، وزير العدل وعضو حزب الأصالة والمعاصرة، إلى جانب نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال ووزير التجهيز والماء، والقيادي الاستقلالي عبد الجبار الراشيدي، كاتب الدولة المكلف بالإدماج الاجتماعي.
وشهد المؤتمر أيضا مشاركة الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية نبيل بنعبد الله، والأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد نبيلة منيب، والأمين العام لحزب الحركة الشعبية محمد أوزين، والأمين العام لحزب الاتحاد الدستوري محمد جودار، إضافة إلى الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل الميلودي مخاريق، ورئيس الاتحاد العام للشغالين بالمغرب النعم ميارة، إلى جانب حضور عدد من الشخصيات السياسية والدبلوماسية من إفريقيا وأوروبا وآسيا وأمريكا الجنوبية.
ويأتي هذا المؤتمر، المنعقد تحت شعار “مغرب صاعد.. اقتصاديا، اجتماعيا، سياسيا”، في ظرفية سياسية دقيقة تسبق الاستحقاقات التشريعية المقبلة، حيث يسعى حزب الاتحاد الاشتراكي إلى تجديد هياكله التنظيمية ومراجعة أوراقه السياسية، وتحديد توجهاته الاستراتيجية للمرحلة القادمة.
وينتظر أن يشهد المؤتمر انتخاب الأجهزة القيادية الجديدة، وعلى رأسها الكاتب الأول وأعضاء المكتب السياسي، وهي محطة يترقبها المتتبعون باهتمام لمعرفة ما إذا كان الحزب سيتجه نحو التغيير أو سيزكي خيار الاستمرارية عبر تمديد ولاية إدريس لشكر.
وينظر إلى هذا المؤتمر كفرصة لإعادة ترتيب البيت الداخلي، وتعزيز موقع الحزب في الخارطة السياسية، سواء من داخل المؤسسات أو من موقع المعارضة، في ظل التحولات الكبرى التي يعرفها المشهد الحزبي المغربي.
ورغم تعدد الرسائل السياسية التي حملها الحضور الوازن في افتتاح المؤتمر، فإن الغياب البارز لحزب العدالة والتنمية طبع الحدث بطابع خاص، ليكشف أن علاقة الوردة والمصباح لا تزال بعيدة عن التقارب، وأن الصراع حول قيادة المعارضة ما زال مفتوحا على مزيد من التوترات.
وبين حضور الأغلبية وغياب جزء من المعارضة، بدا واضحا أن حزب الاتحاد الاشتراكي يسعى من خلال مؤتمره إلى إعادة بناء توازنه السياسي والتموقع كفاعل وطني يسهم في بلورة مشروع مغرب صاعد كما جاء في شعاره، في انتظار ما ستسفر عنه مداولات الأيام المقبلة من قرارات قد تعيد رسم ملامح المرحلة المقبلة في المشهد الحزبي المغربي.