فاجعة فيضانات آسفي تعري هشاشة المدينة العتيقة وتفجر غضب الساكنة

فاطمة الزهراء ايت ناصر

لم تكن ليلة الفيضانات التي عرفتها مدينة آسفي عابرة في ذاكرة ساكنة المدينة العتيقة، بل تحولت إلى لحظة صادمة أعادت إلى الواجهة أسئلة مؤجلة حول هشاشة البنية التحتية ومسؤولية تدبير الشأن المحلي.

فمع أولى ساعات العاصفة، غرقت الأزقة الضيقة في سيول جارفة حاصرت السكان، وخلفت حصيلة ثقيلة في الأرواح والممتلكات، وسط حالة من الذهول والغضب.

في ظرف زمني وجيز، تحولت أحياء تاريخية بكاملها إلى مجارٍ للمياه، بعدما تسببت تساقطات مطرية غزيرة وعواصف رعدية قوية في اجتياح المدينة القديمة.

السيول جرفت سيارات، وقطعت طرقا رئيسية، واقتحمت عشرات المنازل والمحلات التجارية داخل الأسوار، ناشرة الرعب بين الأسر التي وجدت نفسها محاصرة داخل بيوت متهالكة لا تقوى على مقاومة قوة المياه.

ومع توالي الساعات، امتلأت منصات التواصل الاجتماعي بمقاطع توثق لحظات مأساوية، من بينها مشاهد انتشال جثامين ضحايا باغتتهم السيول داخل محلاتهم أو مساكنهم، في وقت كانوا يحاولون إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

مشاهد مؤلمة زادت من حدة الاحتقان الشعبي، وعمّقت الإحساس بأن ما وقع لم يكن قدرا طبيعيا فقط، بل نتيجة تراكم اختلالات مزمنة.

المعطيات الرسمية أشارت إلى نقل عدد من المصابين إلى مستشفى محمد الخامس بآسفي، بعضهم في وضعية حرجة، فيما تواصلت تدخلات الوقاية المدنية والسلطات المحلية والقوات العمومية للبحث والإنقاذ وتقديم الدعم للمتضررين، في سباق مع الزمن لتفادي ارتفاع حصيلة الخسائر.

ومع انحسار منسوب المياه، خرج الغضب إلى العلن. فقد تحولت أزقة المدينة العتيقة إلى فضاء للاحتجاج، حيث عبر السكان بصوت عال عن فقدان الثقة في المنتخبين، ورفعوا شعارات تندد بما وصفوه بسياسة الانتقاء في مشاريع التأهيل، التي ركزت – حسب تعبيرهم – على الواجهات والمناطق المرئية، وأهملت عمق الأحياء الهشة.

ويؤكد متضررون أن الفيضانات لم تكن حدثا استثنائيا من حيث النتائج، إذ يتكرر المشهد ذاته مع كل تساقطات قوية، ما يعكس، في نظرهم، أعطابا بنيوية في شبكات تصريف مياه الأمطار، إلى جانب وجود منازل آيلة للسقوط وأحياء منحدرة لم تحظ بإصلاحات جذرية تحميها من المخاطر الطبيعية.

وتزداد حدة التساؤلات مع استحضار برامج واتفاقيات سابقة خصصت لتأهيل المدينة العتيقة، ورصدت لها ميزانيات مهمة، غير أن أثرها على حياة السكان ظل محدودا.

فبينما جرى ترميم أسوار ومآثر تاريخية، بقيت أزقة داخلية تغرق في الوحل، وقنوات صرف تعجز عن استيعاب أقل كمية من الأمطار.

في مقابل مشاهد الغضب والاحتقان، برزت صور أخرى تعكس روح التضامن، حيث سارع شبان من مختلف الأحياء إلى مساعدة العالقين، وشاركوا في عمليات الإنقاذ بشكل تلقائي.

وقد لقيت مشاهد إنقاذ سيدة مسنة من قبضة السيول تفاعلا واسعا، لتصبح رمزا لوجه إنساني مضيء وسط العتمة.

غير أن الفوضى لم تخل من سلوكيات مدانة، إذ تم تداول مقاطع توثق محاولات سرقة لمحلات غمرتها المياه، ما أثار استنكارا واسعا، قبل أن تتدخل المصالح الأمنية لتوقيف المتورطين، في تأكيد على ضرورة حماية الممتلكات العامة والخاصة خلال الأزمات.

اليوم، وبعد انقضاء الفاجعة، يعود النقاش بقوة حول جدوى اختيارات التهيئة داخل المدينة العتيقة، ومدى إدماج البعد الوقائي في السياسات العمومية.

فبين من يعزو ما حدث إلى تساقطات غير مسبوقة، ومن يرى فيه نتيجة إهمال مزمن، يبقى الثابت أن آسفي، بتاريخها العريق وأحيائها الهشة، تحتاج إلى مقاربة شاملة تستبق المخاطر بدل الاكتفاء بردود الفعل بعد وقوع الكارثة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى