فرنسا تعزز سيادتها الاقتصادية في الصحراء المغربية باستثمارات استراتيجية ضخمة

فاطمة الزهراء ايت ناصر
زيارة مدير وكالة التنمية الفرنسية تؤكد الشراكة الاستراتيجية مع المغرب ومغربية الصحراء
أكد عبد الفتاح الفاتيحي، مدير مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية، أن الزيارة الأخيرة التي قام بها المدير العام التنفيذي لوكالة التنمية الفرنسية إلى الأقاليم الجنوبية للمملكة تندرج ضمن مسار تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين المغرب وفرنسا، وذلك عقب الموقف الفرنسي الرسمي الداعم لمغربية الصحراء، والذي يعتبر مقترح الحكم الذاتي الحل الواقعي والوحيد لإنهاء النزاع الإقليمي.
وأوضح الفاتيحي ل“إعلام تيفي” أن الزيارة تحمل بُعدًا عمليًا مهمًا، حيث تراهن عليها باريس والرباط لتفعيل الاتفاقيات الاقتصادية التي تم التوقيع عليها سابقًا، بحضور الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي، والمتعلقة بإطلاق مشاريع استراتيجية رائدة في مجال الطاقات المتجددة بالأقاليم الجنوبية.
وكشف الفاتيحي عن مشروع ضخم لإنتاج الوقود الإلكتروني بجهة الداخلة وادي الذهب، بطاقة سنوية تقدر بـ500 ألف طن من الوقود المتجدد، مثل الميثانول الإلكتروني والكيروسين الإلكتروني، والذي يأتي بثلاثة أهداف رئيسية: تجميع وتبادل المعطيات، تسويق المنتجات، وتوزيعها على المستوى المحلي والدولي.
وأشار إلى أن هذه المشاريع تكرّس الدور المحوري للأقاليم الجنوبية المغربية في التحول الطاقي العالمي، خصوصًا في ظل الموارد الطبيعية الغنية التي تزخر بها المنطقة، كالطاقات الريحية والشمسية والمائية، مما يعزز من موقع المغرب كمصدر رئيسي للطاقة النظيفة نحو أوروبا وأفريقيا.
وشدد الفاتيحي على أن الزيارة تُعد رسالة واضحة إلى خصوم الوحدة الترابية للمملكة، تفيد بأن موقف فرنسا تجاه مغربية الصحراء قد استقر ولن يتغير، وأن محاولات الضغط أو التصعيد السياسي لن تؤثر على هذا التوجه الاستراتيجي.
وختم تصريحه بالتأكيد على أن هذه الدينامية الثنائية تشكل رافعة قوية لتعميق التعاون الاقتصادي والدبلوماسي بين البلدين، ولبنة جديدة في مسار تطوير الأقاليم الجنوبية كقاطرة للتنمية المستدامة وللاندماج الإقليمي والقاري.
استثمارات فرنسية في الصحراء المغربية تعكس دعمًا سياسيًا وتنمويًا متصاعدًا
وأكد المحلل السياسي محمد سالم أن الخطوة الأخيرة المتعلقة باستثمارات الوكالة الفرنسية للتنمية في الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية، تعكس بوضوح التزامًا فرنسيًا متزايدًا بدعم السيادة المغربية على الصحراء، وتجسد ترجمة عملية للموقف الفرنسي المعلن بخصوص اعتبار الحكم الذاتي هو الأساس الواقعي والجاد للحل السياسي في الصحراء المغربية.
وأوضح المتحدث ل“إعلام تيفي” أن هذه الاستثمارات، التي تقدر بـ150 مليون يورو، ستعزز الإشعاع الاقتصادي الذي باتت تتميز به الأقاليم الجنوبية، مشيرًا إلى أن هذا الإشعاع نابع من مجموعة من العوامل الاستراتيجية، على رأسها الموقع الجغرافي الهام، والمناخ الأمني المستقر، فضلاً عن الدينامية التنموية التي تشهدها المنطقة منذ إطلاق النموذج التنموي الخاص بها.
وكشف سالم أن المشاريع الكبرى مثل الطريق السريع تيزنيت–الداخلة، وميناء الداخلة الأطلسي، ومحطات تحلية المياه، بالإضافة إلى استثمارات في قطاعات الصحة، التعليم العالي، والتكوين المهني، كلها مؤشرات على تحول الأقاليم الجنوبية إلى قطب اقتصادي إقليمي، مما يجعلها بيئة جاذبة للاستثمار الأجنبي، وخاصة من طرف صناديق سيادية ومؤسسات تنموية دولية.
وأشار إلى أن هذه الزيارة الجديدة للمسؤول الفرنسي تأتي استكمالاً لسلسلة من الزيارات السابقة، من بينها زيارة رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي، وزيرة الثقافة، والسفير الفرنسي في الرباط، في إطار ما وصفه بـ”الانخراط الفرنسي المتدرج والداعم للموقف المغربي”.
وأضاف سالم أن هذه الدينامية الاستثمارية تندرج أيضًا ضمن توجه المملكة إلى تعزيز اندماجها الإقليمي، خاصة من خلال المشاريع الكبرى مثل أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب، الذي يمر عبر الأقاليم الجنوبية، وكذا مبادرات المملكة لتمكين دول الساحل من الوصول إلى الواجهة الأطلسية.
وختم بالقول إن المؤهلات الاقتصادية لهذه الأقاليم لا تقتصر فقط على الموقع أو المشاريع التنموية، بل تشمل كذلك ثروة بشرية مؤهلة، بفضل برامج التكوين والتأهيل المهني، مما يعزز من جاهزيتها لاستقبال استثمارات كبرى، ويكرس دورها كمحور استراتيجي في التنمية الجهوية والدولية للمملكة.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أكد في رسالة وجهها إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس، في يوليو 2024، أن فرنسا «تعدُّ أن حاضر ومستقبل الصحراء يندرجان في إطار السيادة المغربية».
وأكد للعاهل المغربي «ثبات الموقف الفرنسي حول هذه القضية المرتبطة بالأمن القومي للمملكة المغربية»، وأن بلاده «تعتزم التحرك في انسجام مع هذا الموقف على المستويين الوطني والدولي».
كما جدد رئيس الدولة الفرنسية دعمه القوي لسيادة المملكة المغربية على صحرائها خلال جلسة مشتركة لمجلسي البرلمان المغربي في 29 أكتوبر الماضي، وذلك بمناسبة زيارته الرسمية للمغرب.