فريق التقدم والاشتراكية يَصْدم الحكومة: “مشروع قانون الصحافة تقنين للتفرد.. وقبرٌ للتنظيم الذاتي”

حسين العياشي

اختار فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب أن يُعلّق الجرس عاليًا، ويوجه نقدًا صارخًا لمشروع القانون المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، الذي صادقت عليه الغرفة الأولى بالأغلبية بعد أربع ساعات ونصف من النقاش المتواصل.

بهذه العبارة المفتاحية، افتتح فريق التقدم والاشتراكية مداخلته التي ألقاها رئيسه رشيد حموني، واضعًا مشروع القانون في سياق عام يشهد – بحسب تعبيره – “عودة مقلقة إلى منطق التحكم والسيطرة على وسائل الإعلام”، بدل ما كان يُنتظر من دعم التنظيم الذاتي وتعزيز استقلالية الحقل الصحفي.

الفريق نبّه في البداية إلى أن مسار إعداد المشروع لم يكن ديمقراطياً، ولا تشاركياً، حيث تم تجاهل المذكرات المقدمة من مختلف الفاعلين الإعلاميين والنقابيين، كما غابت المقاربة التوافقية التي كان من المفترض أن تميز نصاً بهذه الحساسية. بل إن الحموني تساءل صراحة عن الجهة التي أعدت النص: “هل هي الحكومة؟ الوزارة؟ اللجنة المؤقتة؟ أم جهات أخرى غير معلنة؟”.

على المستوى المضموني، سجّل الفريق بقلق بالغ ما وصفه بـ”التمييز الفاضح” الذي جاء به المشروع من خلال تهميش الناشرين المهنيين المستقلين، واعتماد معيار المعاملات المالية وعدد الصحفيين لإعطاء امتيازات تمثيلية، تسمح لمقاولة إعلامية واحدة بالتحكم في قرارات المجلس بـ20 صوتاً، وهو ما وصفه الحموني بـ”التقنين المفضوح لمنطق الهيمنة”.

واعتبر الفريق أن هذا المقتضى يُكرّس الاحتكار ويُفرغ المجلس من روحه التعددية، ويحول التنظيم الذاتي إلى مجرد ديكور قانوني.

ومن بين أبرز الانتقادات التي وجهها الفريق، كانت التخلي عن الاقتراع باللائحة لفائدة الاقتراع الفردي، في انتخابات الصحفيين المهنيين، وهو ما اعتبره “ضرباً مباشراً للمقاربة التشاركية”، وتراجعًا عن المكتسبات التي كانت تضمن حضوراً متوازناً للنقابات والهيئات المهنية.

وتوقف الحموني عند ما وصفه بمحاولة تحويل المجلس الوطني للصحافة من هيئة مستقلة إلى جهاز تابع للحكومة، في مخالفة صريحة لمبدأ التنظيم الذاتي، منبهاً إلى أن الأمر لا يتعلق فقط بتعديلات تقنية، بل بتحولات جوهرية تعيد هندسة المشهد الإعلامي المغربي.

واعتبر أن الحكومة “لم تهضم بعد” استقلالية الصحافة، وأنها تفضل التمكين لمجالس خاضعة أو ضعيفة، لتقليص مساحة النقد ومساءلة السياسات العمومية.

في ختام مداخلته، دعا فريق التقدم والاشتراكية إلى مراجعة جذرية للنص، أو سحبه بالكامل، وإعادة فتح نقاش وطني واسع بمشاركة الصحفيين ومؤسسات المجتمع المدني والمجالس الدستورية، لتدارك ما اعتبره “مسّاً خطيراً بجوهر الحريات الإعلامية”.

يبدو أن مشروع قانون تنظيم المجلس الوطني للصحافة لن يمرّ مرور الكرام، على الأقل داخل أوساط المعارضة، التي ترى فيه رِدّة تشريعية عن روح دستور 2011. وموقف فريق التقدم والاشتراكية، بلهجته الحادة وحججه المؤسساتية، يمثل مؤشراً قوياً على اتساع الهوة بين الحكومة وبعض المكونات البرلمانية بشأن مستقبل الإعلام في المغرب.

ومع اقتراب نهاية الولاية التشريعية، تضع هذه القوانين المصيرية الحكومة أمام امتحان شفافيتها واستعدادها للإنصات، لا سيما حين يتعلق الأمر بحرية التعبير، التي ظلت على الدوام، مقياساً حقيقياً لمدى نضج التحول الديمقراطي في المملكة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى