فيضانات آسفي..متى تعلن حكومة أخنوش المدينة منطقة منكوبة؟

فاطمة الزهراء ايت ناصر 

في فاجعة إنسانية غير مسبوقة، استيقظت مدينة آسفي على جرح غائر خلفته فيضانات طوفانية وسيول جارفة، حصدت الأرواح وخلفت دمارا واسعا، خصوصا في أحياء المدينة القديمة، لتتحول الأمطار من نعمة منتظرة إلى كابوس دموي كشف، عن هشاشة البنية التحتية وغياب ثقافة المحاسبة.

آسفي: 37 قتيلاً على الأقل في فيضانات "استثنائية" في مدينة آسفي المغربية - BBC News عربيلم تصمد شبكات الصرف الصحي أمام غزارة التساقطات، فانهارت وظيفتها في دقائق، وتحولت الشوارع إلى مجار عشوائية ابتلعت نحو 70 منزلا ومحلا تجاريا، وجرفت قرابة 10 سيارات، تاركة خلفها مشاهد فوضى وخراب لا تليق بمدينة يفترض أنها مهيأة لمواجهة المخاطر، لا سيما في زمن التحولات المناخية المتسارعة.

أعادت الفاجعة النقاش إلى الواجهة، فانقسم الرأي العام بين من يحمل المسؤولية كاملة للعامل البشري وسوء التدبير، ومن يراها انعكاسا مباشرا لتغيرات مناخية عالمية.

غير أن أصواتا وازنة شددت على أن الاحتجاج بالقدر لم يعد مقبولا، وأن الفرق شاسع بين الكوارث الطبيعية والكوارث الناتجة عن التقصير وغياب الاستعداد.

وفي نقد صريح لمحاولات التملص من المسؤولية، فرق عدد كبير من نشطاء مواقع التواصل الإجتماعي بين المشيئة الإلهية والإهمال البشري، مؤكدين أن تعليق الأخطاء على شماعة القدر لا يصمد أمام واقع غياب التخطيط وضعف البنية التحتية، مطاليين بتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وترتيب الجزاءات في حق كل من ثبت تقصيره.

SNRT News | فيضانات آسفي.. النيابة العامة تفتح بحثا في الأسباب

أما أصوات مدنية أخرى، فذهبت أبعد من ذلك، معتبرة ما وقع ليس قضاء وقدرا، بل نتيجة مباشرة لسياسات التهميش والنهب، وأن العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية لن تتحققا دون محاسبة المسؤولين ومقاومة جماعية، كما نبهت إلى أن مشاريع ترقيعية، ممولة بديون عمومية، ترهن مستقبل الأجيال، وتعيد إنتاج التبعية بأدوات جديدة، دون أن تحمي أرواح الناس أو ممتلكاتهم.

كان واد الشعبة، هذه المعلمة التاريخية التي تخترق آسفي، أحد مفاتيح الفاجعة، فبعد ساعات من التساقطات المتواصلة، تضاعفت حمولته وانحرف عن مساره المعتاد، لتندفع سيول جارفة من حي جنان فسيان وأزقة المدينة القديمة، مخترقة الأبواب، ومحاصرة التجار داخل محلاتهم.

ويحمل الساكنة المسؤولية لمنتخبي المدينة، موضحين أن منفذا ثانويا لتصريف مياه الواد قرب معلمة قصر البحر جرى إغلاقه بعد إعادة تأهيل ساحة سيدي بوذهب، ما ضاعف من حجم الخطر، في ظل بنية تصريف لم تحدث لتستوعب سيناريوهات مناخية قصوى.

ورجحوا أن تكون أوراش تأهيل قصر البحر قد أعاقت وصول مياه الواد إلى البحر، إلى جانب ضعف قنوات التصريف، مطلبين بفحص الدراسات التقنية لمعرفة مدى أخذها لخصوصيات المدينة القديمة بعين الاعتبار.

وأكد الساكنة أن الحمولة القياسية لواد الشعبة لم تسجل منذ سنوات طويلة، وأن سيناريو مشابها وقع في الثمانينات، دون أن يدفع المسؤولين المتعاقبين إلى حلول جذرية.

وأضافت أن مشاريع تأهيل المدينة العتيقة، رغم الإعلان عنها، ما تزال حبيسة الورق، وأن مساهمة آسفي في النسيج الاقتصادي الوطني لا تنعكس تنمية محلية، في وقت بدا فيه التفاعل الحكومي مع الفاجعة باهتا، كأن شيئا لم يقع.

المفارقة المؤلمة أن آسفي تحتضن صناعات كبرى؛ المركب الكيميائي لتحويل الفوسفاط، محطة إنتاج الكهرباء الحرارية، مصانع الإسمنت والجبس، ومع ذلك، يدفع السكان ثمنا باهظا لإهمال مزمن، لا يحصدون من ثروات أرضهم سوى التلوث والمخاطر الصحية والموت.

ما حدث في آسفي حسب مراقبون ليس مجرد حادث عابر، بل جرس إنذار، لأن البنية التحتية التقليدية للمدينة لم تعد صالحة لعصر مناخي جديد، والحلول الترقيعية لا تحمي الأرواح، وحدها الإجراءات الاستباقية، والتخطيط الجدي، وربط المسؤولية بالمحاسبة، كفيلة بأن تمنع تكرار المأساة.

وفي السياق ذاته، حملت الجمعية الوطنية للمحامين بالمغرب الجهات الحكومية المعنية مسؤولية التقصير في اتخاذ التدابير الاستباقية الكفيلة بالحد من آثار الكوارث الطبيعية، وضمان حماية المواطنين وممتلكاتهم، خاصة في المناطق المعروفة بهشاشتها البيئية والبنيوية.

وأكدت الجمعية عزمها رفع دعوى قضائية ضد رئيس الحكومة أمام المحكمة الإدارية بالرباط، للمطالبة بإعلان مدينة آسفي منطقة منكوبة، وتمكين السكان المتضررين من الاستفادة من الآليات القانونية والمالية لجبر الضرر الفردي والجماعي، واتخاذ التدابير العاجلة اللازمة.

كما دعا الأمين العام للحزب الاشتراكي الموحد المعارض جمال العسري، إلى إعلان مدينة آسفي مدينة منكوبة، على خلفية الكارثة التي خلفت ما لا يقل عن 37 قتيلا، مطالبا بإعلان حداد وطني.

ويتساءل مراقبون ماذا تنتظر الحكومة من أجل الالتفاف إلى هذه المدينة وغيرها من المدن المهمشة، التي تعاني في صمت من ضعف البنية التحتية وغياب أي إجراءات استباقية، بينما ثرواتها الهائلة تحصد ولا تترجم إلى حماية حقيقية لسكانها.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى