قانون 53.19.. تنظيم المهنة أم إقصاء للمحاسبين؟

فاطمة الزهراء ايت ناصر

أثار تطبيق القانون 53.19، المعدل للقانون 127.12 المنظم لمهنة المحاسب المعتمد بالمغرب، موجة عارمة من الغضب والاستياء في صفوف آلاف المهنيين الذين وجدوا أنفسهم فجأة خارج الإطار القانوني، بعد سنوات من العمل في ظل منظومة قانونية سابقة اعترفت بممارستهم وشرعت أنشطتهم. القانون الذي جاء تحت غطاء تنظيم المهنة والرفع من جودتها، تحول في نظر المتضررين إلى أداة إقصاء وتشريد، يفتقر لأبسط معايير العدالة القانونية والاجتماعية.

أكثر من 800 محاسب مهني، مارسوا عملهم لسنوات، مسجلون بالسجل التجاري، يؤدون ضرائبهم للدولة، يتعاملون مع الزبائن ويشغلون مساعدين وأجراء، أصبحوا اليوم مهددين بعقوبة “انتحال صفة” بمجرد انتهاء المرحلة الانتقالية في غشت 2025.

القانون الجديد، الذي صادقت عليه الحكومة وأقر سنة 2021، جاء في إطار إعادة تنظيم مهنة المحاسب المعتمد، واعتُبر خطوة نحو تقنين المهنة وتحديثها، من خلال تحديد شروط جديدة لولوج المهنة وتقييدها بمعايير أكثر صرامة، أهمها ضرورة التوفر على شواهد أكاديمية محددة، والتسجيل ضمن جدول المنظمة المهنية للمحاسبين المعتمدين، إضافة إلى اجتياز فترة تدريب وتأهيل قبل منح صفة “محاسب معتمد”.

ونص القانون 53.19 على إحداث منظمة مهنية للمحاسبين المعتمدين، ومنحها صلاحيات موسعة تتعلق بتنظيم المهنة، والإشراف على منح الاعتماد، ومتابعة المخالفين. كما نص على فترة انتقالية محدودة الزمن، يمكن خلالها للمهنيين السابقين تسوية وضعيتهم عبر تقديم ملفاتهم للاستفادة من الاعتراف بمهنتهم وفق الشروط الجديدة.

غير أن الإشكال بدأ حين دخلت هذه المقتضيات حيز التنفيذ، خاصة في ما يتعلق بتطبيق المادتين 102 و103 من القانون، اللتين تشترطان التوفر على معايير دقيقة، دون الأخذ الكافي بعين الاعتبار وضعية المحاسبين الذين كانوا يمارسون المهنة فعلياً ومسجلين قانونياً، سواء في السجل التجاري أو لدى إدارة الضرائب، ويؤدون ما عليهم من واجبات جبائية ومهنية.

المحاسبون المتضررون، والذين تجاوز عددهم 2000 بحسب أرقام رسمية، يعتبرون أن القانون لم يُراعِ مبدأ عدم رجعية القوانين المنصوص عليه في الفصل السادس من الدستور، حيث أن مفعول مقتضياته مسّ الماضي، عبر إقصاء ممارسين قانونيين سابقين فقط لكونهم لم يستوفوا الشروط الجديدة أو لم يتمكنوا من تقديم ملفاتهم في الآجال المحددة، لأسباب موضوعية كظروف صحية، إدارية، أو حتى لغياب المعلومة الدقيقة في الوقت المناسب.

كما أن العديد من الملفات، وفق تصريحات مهنية، تم رفضها دون تقديم مبررات قانونية واضحة، مما زاد من حدة الإحساس بالإقصاء والتمييز. ولم يقتصر الأمر على الأفراد فقط، بل امتد أثره إلى مكاتب قائمة، وعمال، وأجراء فقدوا وظائفهم بعد أن فقد المحاسب صفته القانونية، ليصبح في وضعية تهدد استقراره المهني والاجتماعي، بل وتضعه تحت طائلة المتابعة بتهمة انتحال صفة.

ورغم نبل أهدافه في تنظيم المهنة، فإن القانون 53.19 يكشف خللاً على مستوى التنفيذ والتأطير الانتقالي. فكيف يمكن لمحاسبين مارسوا مهنتهم لعقود، بتراخيص وسجلات ضريبية وتجارية منحتها الدولة نفسها، أن يتحولوا فجأة إلى “منتحلي صفة”؟ وهل يعقل أن تُسحب منهم شرعيتهم المهنية دون أي آلية إنصاف تأخذ بعين الاعتبار مسارهم وتجربتهم؟

تنظيم المهن ضرورة، ولا خلاف حول أهمية تأهيل الحقل المحاسباتي، لكن ليس بهدم ما بُني، وليس بإعدام تجارب ناجحة ومهنيين أكفاء فقط لأنهم لم يركبوا قطاراً انطلق فجأة دون إعلام كافٍ، أو لأنهم مرضوا، أو لأن النظام الإلكتروني تعطل.

في ظل هذه الوضعية، يطالب المتضررون بإعادة النظر في المادة 103، وتمديد المرحلة الانتقالية، وفتح الباب أمام تسوية عادلة تراعي الحقوق المكتسبة، خصوصاً لأولئك الذين استوفوا سنوات من العمل الفعلي، ويملكون الكفاءة والتجربة، حتى لا يتحول القانون من أداة لتنظيم المهنة إلى سبب في إقصاء عدد كبير من الفاعلين الاقتصاديين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى