قريشي ل”إعلام تيفي” : قرار مجلس الأمن لحظة مفصلية تُكرّس السيادة المغربية وتُتَوّج الدبلوماسية الملكية

 

زوجال قاسم

اعتبر المصطفى قريشي، أستاذ القانون بالكلية متعددة التخصصات بالناظور، أن القرار الأخير الصادر عن مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء المغربية، يشكل منعطفا تاريخيا في مسار هذا النزاع الإقليمي، مؤكدا أنه “لحظة مفصلية تُسجّل بمداد الفخر في سجل الدبلوماسية المغربية”، بعدما منح مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007 صفة المرجعية الدولية المعترف بها.

وفي تصريح خص به “إعلام تيفي”، أوضح قريشي أن القرار الأممي الجديد “لا يكتفي بالإشادة بالمبادرة المغربية، بل يرتقي بها إلى مستوى الإطار الرسمي للتفاوض”، وهو ما يجعلها، بحسب تعبيره، “جزءا من المرجعيات القانونية والسياسية المعتمدة لدى الأمم المتحدة في تسوية النزاعات الإقليمية”.

وأضاف أن القرار يُكرّس من الناحية الفقهية مفهوم السيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية، عبر الجمع بين الواقعية السياسية واحترام مبدأ تقرير المصير، مشيرا إلى أن “هذا التحول يمثل تطورا نوعيا في الفكر القانوني الأممي، إذ يعيد تعريف تقرير المصير كآلية ديمقراطية لتوسيع الحكم الذاتي داخل سيادة الدولة الأم، لا كطريق نحو الانفصال”.

وأشار الأستاذ الجامعي إلى أن هذا التوجه “ينسجم مع التطورات الحديثة في القانون الدولي وتقارير لجنة القانون الدولي”، معتبرا أن القرار “يمنح المبادرة المغربية قوة معيارية متزايدة داخل المنظومة الأممية”.

الأمم المتحدة تطوي صفحة الاستفتاء وتفتح أفق الحل الواقعي

وفي قراءته لمضامين القرار، أكد قريشي أن الأمم المتحدة “طوت نهائيا صفحة الاستفتاء لتقرير المصير” الذي أثبت فشله العملي خلال التسعينيات، مبرزا أن مجلس الأمن “انتقل من منطق الاستفتاء إلى مقاربة الحل السياسي الواقعي والدائم المبني على التوافق”.

وأوضح أن هذا التحول “يعكس إرادة المجتمع الدولي في تجاوز الحلول النظرية نحو مقاربة عملية تضمن الاستقرار والتنمية”، لافتا إلى أن القرار “وجّه المبعوث الشخصي للأمين العام، ستافان دي ميستورا، إلى التركيز على التفاوض حول الحكم الذاتي باعتباره الإطار الواقعي الوحيد للحل”.

وأضاف أن القرار “أعاد كذلك تعريف دور بعثة المينورسو”، مؤكدا أنها لم تعد معنية بالتحضير لاستفتاء متعذر، بل بمواكبة المسار السياسي ورصد الدينامية التنموية التي تعرفها الأقاليم الجنوبية.

وبحسب المتحدث ذاته، فإن هذا التوجه الجديد يندرج في إطار ما سماه بـ”المنهج الواقعي التوافقي”، الذي يوازن بين الشرعية الدولية والفعالية السياسية، ويحظى بدعم القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا، التي تعتبر المبادرة المغربية الحل الأنسب لإنهاء النزاع.

إشادة أممية بنموذج التنمية والاستقرار بالأقاليم الجنوبية

وأكد قريشي أن القرار الأخير يثمّن جهود المغرب في تحقيق التنمية والاستقرار بالأقاليم الجنوبية، معتبرا أنه “اعتراف صريح بجدوى النموذج المغربي القائم على الربط بين التنمية الترابية والحكامة السياسية”.

وأبرز أن المشاريع المهيكلة الكبرى في العيون والداخلة، من قبيل ميناء الداخلة الأطلسي، والطرق السريعة، والمناطق الصناعية الجديدة، أصبحت تمثل “رافعة استراتيجية للاندماج الاقتصادي الإقليمي”، مشيرا إلى أن الإشادة الأممية بهذه المشاريع “تعكس ثقة متزايدة في قدرة المغرب على ضمان الأمن والاستقرار في محيطه الإفريقي”.

وأضاف أن المقاربة المغربية “تمزج بين التنمية والأمن الروحي والاقتصادي”، ما يجعل من التجربة المغربية “نموذجا يحتذى في إدارة النزاعات وتعزيز السلم الإقليمي، خاصة في ظل الاضطرابات التي يعرفها الساحل الإفريقي”.

تتويج للدبلوماسية الملكية وبداية مرحلة جديدة من التثبيت الدولي

وشدد قريشي على أن قرار مجلس الأمن، الصادر في 31 أكتوبر 2025، يمثل “تتويجا لمسار الدبلوماسية الملكية المغربية” التي قادها جلالة الملك محمد السادس برؤية تجمع بين الحزم في المبدأ والانفتاح في الممارسة، مضيفا أن هذه الدبلوماسية “نجحت في ترسيخ موقع المغرب كشريك موثوق في المنتظم الدولي”.

وأوضح أن السياسة الخارجية للمملكة “اعتمدت نهجا استباقيا يجمع بين الدينامية التنموية والتحالفات الاقتصادية المتوازنة”، وهو ما مكنها من تحقيق “اختراق نوعي في معالجة الملف داخل مجلس الأمن”.

وختم قريشي تصريحه باعتبار أن “القرار لا يُغلق الملف، بل يفتح صفحة جديدة من التثبيت القانوني والمؤسساتي، تستدعي من المغرب تسريع تنزيل الجهوية المتقدمة وإرساء مؤسسات الحكم الذاتي وفق المعايير الدولية”، مؤكدا أن القيمة الحقيقية للقرار “تكمن في قدرة المغرب على استثماره لترسيخ صورته كقوة استقرار وتنمية في إفريقيا”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى