قنديلة: “الفلاحة العائلية ركيزة للاستقرار القروي لكنها تعاني من ضعف التمويل”

فاطمة الزهراء ايت ناصر

أكد عبد الرحمان قنديلة، خلال مداخلته في لقاء نظمه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أن الفلاحة العائلية الصغيرة والمتوسطة تؤدي أدوارًا متعددة، تشمل الوظائف الإنتاجية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية، مشيرًا إلى ضرورة منحها مكانة استراتيجية ضمن السياسات الفلاحية الوطنية.

وأوضح قنديلة أن تعريف الفلاحة العائلية يقوم على أربعة معايير أساسية، هي المساحة، وطبيعة العمل، والأنشطة، ومردودها الاقتصادي. وكشف أن الاستغلاليات التي تقل مساحتها عن خمسة هكتارات تساهم بنسبة 29% من الإنتاج الفلاحي الوطني، وتمثل حوالي 70% من مجموع الاستغلاليات الفلاحية بالمغرب، مما يعكس أهميتها الحيوية داخل القطاع.

وفيما يتعلق بتربية الماشية، أبرز أن الفلاحة العائلية الصغيرة والمتوسطة تساهم بنسبة 43% من قطيع الأبقار الوطني، مشيرًا إلى أن 40% من هذه الاستغلاليات تقل مساحتها عن ثلاثة هكتارات. وأضاف أن هذا الرقم يكتسي أهمية بالغة، خاصة في ظل التقارير الحديثة التي كشفت عن تراجع عدد القطيع بنسبة 40%.

وشدد قنديلة على أن هذا النوع من الفلاحة يساهم في تموين الأسواق المحلية وتنويع الإنتاج الفلاحي، مما يعزز مناعة الأسر الفلاحية وقدرتها على الصمود أمام الأزمات الاقتصادية، ويساهم بشكل واضح في تحسين دخل الفلاحين.

من الجانب الاجتماعي، أشار قنديلة إلى أن الفلاحة العائلية الصغيرة والمتوسطة توفر فرص شغل هامة، وغالبًا ما تكون المصدر الأساسي للشغل في العالم القروي. كما تلعب دورًا محوريًا في استقرار الساكنة القروية، وتوجد بشكل واسع في جميع المناطق الإيكولوجية الفلاحية بالمملكة، مع تركيز كبير في المناطق الجبلية وشبه الجافة.

أما على المستوى البيئي، فقد أوضح أنها تساهم في حماية التربة، والحفاظ على المناظر الطبيعية، ودعم السياحة الإيكولوجية. كما تساعد على محاربة التصحر، وصون التنوع البيولوجي، وحماية الرصيد الجيني المحلي، سواء في ما يتعلق بالبذور أو السلالات الحيوانية.

وفي قراءته للمسار السياسي والعمومي الذي رافق هذا النوع من الفلاحة، قدم قنديلة تحليلًا مقسمًا إلى ثلاث مراحل رئيسية. ففي الفترة ما قبل مخطط المغرب الأخضر، أي من سنة 1960 إلى سنة 2006، تم تسجيل بعض المبادرات التي اهتمت بالفلاحين الصغار والمتوسطين من خلال الدعم التقني، لكن دون توفير استثمارات كافية لتطوير هذا النموذج الفلاحي.

أما خلال مرحلة مخطط المغرب الأخضر، الممتدة من سنة 2008 إلى 2018، فقد تم توجيه بعض الدعم إلى ما يسمى بالفلاحة التضامنية، التي تدخل ضمن الفلاحة العائلية، لكن هذا الدعم لم يكن كافيًا بالشكل المطلوب.

وخلال المرحلة الحالية، المتمثلة في استراتيجية الجيل الأخضر، تم التأكيد على محورين أساسيين، هما العنصر البشري، وضمان استدامة التنمية الفلاحية والسلاسل الإنتاجية، والحفاظ على الموارد الطبيعية.

رغم ذلك، فإن الفلاحة العائلية الصغيرة والمتوسطة ما تزال تواجه مجموعة من التحديات. من أبرزها محدودية الإنتاجية بسبب ضعف المكننة، وقلة الولوج إلى الوسائل الحديثة، واستمرار الاعتماد على الأدوات التقليدية، إلى جانب التغيرات المناخية وتراجع التساقطات.

وكشف قنديلة عن نقص حاد في منظومة الاستشارة الفلاحية، خصوصًا في العالم القروي. وقدم مثالًا بإقليم الصويرة، الذي لا يتوفر سوى على ستة مستشارين فلاحين لتغطية 54 جماعة قروية، مما يبرز عمق إشكالية التأطير وضعف إشراك الفلاحين في إعداد محتوى الإرشاد الفلاحي.

وفي ما يتعلق بالبحث والابتكار، أشار إلى غياب معطيات محدثة، لا سيما تلك المرتبطة بالإحصاء الفلاحي لسنة 2016، بالإضافة إلى ضعف تثمين المهارات والتراث المحلي في مختلف المناطق الإيكولوجية، إلى جانب ضعف تثمين وحماية البذور والسلالات المحلية، وعدم كفاية التنسيق بين مؤسسات البحث والهيئات العمومية والتنظيمات المهنية.

أما على المستوى التنظيمي، فقد أكد على هشاشة تنظيم الفلاحين داخل تعاونيات، وضعف التأطير والمواكبة الميدانية داخل الدواوير، مما يحد من فعالية انخراطهم في المشاريع التنموية. ولفت الانتباه كذلك إلى محدودية رقمنة عمليات تسويق المنتجات الفلاحية.

وفي ما يخص العقار، شدد على أن الفلاحة العائلية تعتمد غالبًا على الأراضي الفلاحية التي ما تزال في حالة شياع، وهو ما يعوق عمليات الاستثمار ويزيد من درجة المجازفة.

وتحدث أيضًا عن تحديات مرتبطة بالقروض والتمويل، مؤكدًا كما قال السيد الرئيس أن هناك محدودية في الولوج إلى المعلومات المتعلقة بالتمويل المتاح والإجراءات المرتبطة به، بالإضافة إلى ضعف القدرة على السداد وغياب الضمانات، مما يجعل عملية الولوج إلى التمويل أمرًا معقدًا.

كما أشار إلى ضعف الولوج إلى الخدمات المالية الرقمية، لا سيما في الوسط القروي، حيث يعيش غالبية الفلاحين. وذكر أن 70% من الجماعات الترابية في الوسط القروي لا تتوفر على مؤسسات تشتغل في مجال التأمين، مما يزيد من هشاشة الوضع.

ومن بين التحديات الأخرى التي طرحها، أشار قنديلة إلى إشكالية ارتفاع المعدل العمري لمالكي الأراضي وأرباب الضيعات، وهو ما يطرح إشكاليات إضافية في ما يخص التجديد والتأهيل والاستدامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى