كارثة بيئية صامتة في أكادير.. تسيّب رسمي يهدد الشاطئ والسياحة

حسين العياشي

رغم الضجة الإعلامية التي فجّرتها صور ومقاطع فيديو كاشفة لحجم الكارثة البيئية التي تضرب شاطئ أكادير، وكذا سيل الشكايات التي وجّهها المواطنون والفاعلون البيئيون للسلطات المختصة، ما زال المشهد على حاله، وكأن الأمر لا يستدعي أي تحرك عاجل. فالتلوث مستمر، والمياه العادمة تواصل تدفقها نحو البحر، فيما يكتفي المسؤولون بالصمت، تاركين المجال مفتوحًا أمام هذا التسيّب البيئي الذي يهدد سمعة المدينة.

فتحت شمسها الذهبية وشاطئها الممتد، كانت تبدو أكادير كواحدة من أجمل الوجهات السياحية في المغرب، لكن خلف هذه الصورة البانورامية المشرقة، تتوارى أزمة بيئية متفاقمة تهدد سمعة المدينة، وتضع حلمها في الحصول على شارة “اللواء الأزرق” على المحك.

الشارة، التي تُمنح للشواطئ التي تستوفي أعلى المعايير الدولية في جودة المياه وحماية البيئة والسلامة، وهو هدف سعت إليه أكادير سنوات طويلة. غير أن الميناء، قلب النشاط البحري للمدينة، يشكل عقبة كبرى أمام هذا المسعى، بسبب التلوث المتكرر الناتج عن بقع الزيوت والنفايات البلاستيكية وشباك الصيد المهملة.

في هذا السياق، أكد مسؤول محلي، أن جودة مياه شاطئ أكادير جيدة في معظم الأوقات، لكن أي تلوث قادم من الميناء يمكن أن ينسف جهودنا. اللواء الأزرق لا يُمنح لشاطئ نظيف فقط، بل لمدينة تلتزم بالكامل بالمعايير البيئية.

مشاهد الزيوت السوداء الطافية على سطح الميناء، ممزوجة بالنفايات البلاستيكية، ليست مجرد منظر قبيح؛ بل هي خطر بيئي حقيقي. فالزيوت تشكل طبقة عازلة تمنع وصول الأكسجين إلى الكائنات البحرية، في حين تتحلل النفايات البلاستيكية ببطء إلى جزيئات دقيقة تلتهمها الأسماك، لتدخل في نهاية المطاف إلى السلة الغذائية للمواطن.

إلى جانب الميناء، تواجه شواطئ أكادير وتغازوت تحديًا إضافيًا يتمثل في تسربات المياه العادمة نحو البحر، خاصة خلال ذروة الموسم السياحي. فقد وثق نشطاء بيئيون مقاطع فيديو تظهر تدفق المياه الملوثة إلى الشاطئ، مصحوبة بروائح كريهة، ما أثار استياء المواطنين والمصطافين على حد سواء.

يرى خبراء أن الحل يكمن في معالجة المشكلة من جذورها عبر تبني مفهوم  “الموانئ الخضراء”، والذي يشمل تجهيز مرافق حديثة للتخلص من النفايات والزيوت، فرض قوانين صارمة على المخالفين، استخدام تقنيات لرصد التلوث، وتشجيع السفن على اعتماد وقود أقل ضررًا بالبيئة.

في هذا السياق، تلعب مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة دورًا محوريًا من خلال برامج مثل “شواطئ نظيفة”، وجائزة “لالة حسناء للساحل المستدام”، إلى جانب القوانين الوطنية، وعلى رأسها القانون رقم 81.12 المتعلق بالساحل، الذي يمنع التلوث ويحمي التنوع البيولوجي ويضمن الولوج الحر إلى الشواطئ.

إن إنقاذ ميناء أكادير وتحسين جودة بيئته البحرية لا يمثل مجرد خطوة بيئية، بل هو استثمار في مستقبل المدينة كوجهة سياحية عالمية. فالحصول على “اللواء الأزرق” سيعكس التزام أكادير بالمعايير البيئية، ويعزز من جاذبيتها، ويمنحها سمعة تنافسية أمام الوجهات المتوسطية والعالمية الأخرى.

لكن حتى يتحقق ذلك، يبقى على السلطات المحلية والفاعلين الاقتصاديين التحرك العاجل لوقف نزيف التلوث، وتبني حلول جذرية تضمن أن تظل صورة أكادير مشرقة كما تحلم بها ساكنتها وزوارها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى