كتابي في اللغة العربية.. ملصقات لأخنوش تزين شوارع الرباط

حسين العياشي

في شوارع الرباط، لم يكن مساء الأحد عادياً. فقد فوجئ المارة بملصقات غريبة تزين الجدران واللوحات الإشهارية، تحمل عنوان «كتابي في اللغة العربية» وممهورة بصورة رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، ببدلته الرسمية وربطة عنقه، في مشهد يحاكي أغلفة الكتب المدرسية الخاصة بالسنة الأولى من التعليم الابتدائي. هذه المبادرة الساخرة جاءت من شباب حركة «جيل زد» الذين نقلوا احتجاجهم من العالم الافتراضي إلى الفضاء العام، في خطوة رمزية أثارت جدلاً واسعاً.

القصة بدأت على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انتشر مقطع فيديو يوثّق ارتباك رئيس الحكومة وهو يقرأ نصاً بالعربية تحت قبة البرلمان. الفيديو سرعان ما تحول إلى مادة ساخرة، غذّت وسمًا متداولاً وفتحت الباب أمام موجة من التعليقات الساخطة والتهكمية، قبل أن تتطور إلى حملة ميدانية عبر ملصقات ساخرة تعكس قدرة الأجيال الرقمية على تحويل اللحظة السياسية إلى مادة بصرية تخترق الواقع.

الملصقات التي تحمل طابعاً فنياً مبسطاً – خلفية صفراء، خطوط مدرسية مألوفة، وتصميم مطابق للكتب الرسمية – لم تكن مجرد نكتة بصرية. بالنسبة إلى نشطاء الحركة، هي رسالة سياسية بليغة: نقد لزعيم سياسي يُنظر إليه كرمز لفجوة قائمة بين السلطة وجيل شاب يعيش يومياً بلغة جديدة، قوامها السرعة، التهكم، والقدرة على التعبير عبر رموز بصرية.

ردود الفعل لم تتأخر. فبينما تداول رواد مواقع التواصل الصور مرفقة بتعليقات لاذعة أو ساخرة، عبّر آخرون عن قلقهم من انزلاق المشهد السياسي المغربي نحو ما وصفوه بـ«التبخيس» و«الشعبوية الرقمية»، محذرين من أن السخرية، وإن كانت مشروعة كأداة تعبير، قد تضعف هيبة المؤسسات وتُختزل القضايا الجوهرية في صور هزلية.

في المقابل، يرى باحثون في العلوم السياسية أن هذه الممارسات تدخل ضمن «الثقافة السياسية الجديدة» التي ترسخها الأجيال الرقمية، حيث تصبح الميمات والرموز الساخرة أداة للتأثير وتشكيل الرأي العام. ويؤكد هؤلاء أن هذه الظواهر ليست خاصة بالمغرب، بل امتداد لما يعرف عالمياً بـ«الاحتجاج الهزلي»، كما وقع في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، حيث تحولت صور الزعماء السياسيين إلى مادة للتندر والضغط الاجتماعي في آن واحد.

المثير في تجربة «جيل زد» أنها جمعت بين السخرية الرقمية والاحتجاج الميداني، لتعيد النقاش حول علاقة الشباب بالسياسة. فهؤلاء الذين يبدون أحياناً بعيدين عن صناديق الاقتراع، يجدون في هذه الأشكال غير التقليدية من التعبير السياسي وسيلة لإيصال رسائلهم. بالنسبة لهم، الملصقات الساخرة ليست مجرد فن شارع، بل أداة لإرباك السلطة وفتح نقاش مجتمعي حول اللغة، الكفاءة، والتمثيلية.

ما وقع في الرباط مساء الأحد قد يبدو للبعض مجرد «دعابة» عابرة، لكنه في عمقه مؤشر على تحولات عميقة في المشهد السياسي المغربي: انتقال السخرية من فضاء الإنترنت إلى الفضاء العام، وظهور جيل جديد يملك أدوات مختلفة للتعبير عن سخطه، جيل يواجه السلطة لا بالخطب ولا باللافتات التقليدية، بل بالملصقات الساخرة التي تعلق في قلب العاصمة، وتضع السياسي في كتاب اللغة العربية، على مرأى الجميع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى