كرة القدم في قبضة البام..الأندية بين الشغف والحسابات الحزبية

فاطمة الزهراء ايت ناصر 

في السنوات الأخيرة، صار من الصعب الفصل بين المستطيل الأخضر وقاعات السياسة. لم يعد الانتماء للأندية الرياضية مجرد شغف جماهيري أو التزام محلي، بل تحول إلى ورقة استراتيجية في يد بعض الفاعلين السياسيين، الذين وجدوا في كرة القدم ساحة إضافية لبسط النفوذ وكسب الشعبية.

فجأة، باتت صور سياسيين بجانب اللاعبين أو على مدرجات الملاعب جزءًا من المشهد اليومي. من يتأمل هذه التحركات يدرك أن الرياضة لم تعد مجرد لعبة، بل أداة تعبئة جماهيرية قد تضاهي في قوتها الحملات الانتخابية التقليدية. فالجمهور الذي يملأ الملاعب بأهازيجه، هو نفسه الذي يملأ صناديق الاقتراع، والسياسيون يعرفون جيدًا كيف يلتقطون الإشارات.

لم يكن ظهور أسماء وازنة في المشهد السياسي على رأس أندية رياضية مجرد صدفة عابرة. الوزير المهدي بنسعيد، مثلًا، لم يكتف بمهامه الحكومية على رأس وزارة الثقافة والشباب والتواصل، بل أصبح أيضًا رئيسًا لنادي يعقوب المنصور بالرباط. خطوة قد تبدو في ظاهرها رياضية، لكنها سرعان ما حملت دلالات أبعد من مجرد شغف بكرة القدم.

المشهد تكرر مع فاطمة الزهراء المنصوري، وزيرة إعداد التراب الوطني والإسكان وسياسة المدينة، التي جرى تنصيبها رئيسة شرفية للكوكب المراكشي، الفريق العريق الذي يعيش أزمة خانقة. كثيرون قرؤوا في هذه الخطوة محاولة لإعادة بعث صورة النادي، لكن أيضًا لإعادة بعث صورة سياسية ترتبط باسمه.

أما في آسفي، فقد برز اسم سمير كودار، رئيس مجلس جهة مراكش–آسفي، الذي أعلن عن دعمه المالي لأولمبيك آسفي، وظهر في احتفالات تتويجه بكأس العرش. بالنسبة للبعض، كان ذلك تجسيدًا لارتباط ابن المدينة بناديها، لكن بالنسبة لآخرين، بدا المشهد أقرب إلى تمهيد لدخول سياسي مباشر في أسوار النادي.

هكذا، نجد أن قيادات بارزة من حزب الأصالة والمعاصرة اتجهت إلى فضاء الملاعب والأندية، وكأنها اكتشفت أن كرة القدم قد تتحول إلى جسر انتخابي وجماهيري يوازي في تأثيره التجمعات الخطابية. فالكرة قادرة على جمع عشرات الآلاف في مدرج واحد، وهو ما لا تستطيع الحملات الحزبية تحقيقه بسهولة.

الخطر الأكبر أن يتحول الجمهور من داعم لناديه إلى أداة في صراع سياسي لا يعنيه. في تلك اللحظة، لا تخسر الكرة فقط نقاءها، بل تخسر السياسة أيضًا صدقيتها. فالتلاعب بالمشاعر الجماهيرية لن يصنع تنمية ولا سياسات عمومية، بل يكرس ثقافة الاستغلال القصير المدى.

الرياضة قد تجمع الجمهور حول حلم المونديال، لكنها حين تُختزل في حسابات انتخابية ضيقة، تتحول من عامل وحدة إلى أداة تقسيم. المطلوب اليوم ليس تسييس الكرة، بل ترييض السياسة، أي الاستفادة من روحها النزيهة والجامعة لبناء ثقة حقيقية بين المواطن ومؤسساته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى