كيف أصبح الهاشتاغ أقوى من العناوين الرئيسية ؟

اميمة المغاري: صحافية متدربة

في لحظة ما، وأنت تتصفّح هاتفك، تجد هاشتاغًا يتصدر المنصات، يحمل قضية ما، رأيًا غاضبًا، أو فضيحة من العيار الثقيل.

لا تعلم كيف بدأ، ولا من أطلق شرارته الأولى، لكنك تشعر بأنك وسط عاصفة رقمية.

تبحث في المواقع الإخبارية فلا تجد شيئًا، الصحافة ما زالت “تتحقق” أو ربما “تتريث”، لكن الجمهور قرر: هذا هو الحدث، وهذه هي القصة التي يجب أن تُروى.

باتت “الهاشتاغات” هي من تفرض جدول أعمال الإعلام، لا العكس. يمكن لهاشتاغ بسيط، أحيانًا ساخر، أو مشوَّش، أو مُفبرك، أن يُصبح قضية رأي عام بين ليلة وضحاها.

لم يعد الخبر ينتظر نشرة الواحدة، ولم تعد الصحف الورقية أول من يروي ما يحدث ،فاليوم، يكفي أن يولد هاشتاغ في الزاوية المظلمة من منصة ما، حتى يملأ الشاشات ويشعل النقاشات، ويُحرّك الرأي العام في دقائق، وربما في لحظات.

اللافت اليوم أن كثيرًا من القضايا لا تولد داخل غرف التحرير، بل تُصنع في تغريدة، أو مقطع قصير على “تيك توك”، ثم تكبر ككرة ثلج. من حادثة عنف، إلى شهادة مجهولة، إلى تسجيل مسرّب… في ظرف ساعات، تتحوّل القصة إلى قضية رأي عام، ومعها تبدأ الأسئلة: أين الصحافة؟ من يحقق؟ من يملك الحقيقة؟ ومن يركب الموجة فقط؟

في المقابل، هناك خوف حقيقي: هل نُسلم وعينا لما هو “رائج” فقط؟ هل نصدق ما يظهر أولًا لأنه “متداول”؟ وهل يكفي أن يكون الموضوع ترندًا كي يكون صادقًا أو عادلًا؟

الصحافة الجادة تحتاج وقتًا للتحقق، للبحث، لإعطاء كل طرف فرصته. لكن الهاشتاغ لا ينتظر. يحكم بسرعة، يحمّل المسؤوليات، يصدر الأحكام، ويحاصر بالصوت والصورة والعدد. إنها لحظة تحول نعيشها: بين سلطة الإعلام التقليدي، وسرعة مواقع التواصل الاجتماعي.

في هذا الزمن، من لا يفهم قواعد اللعبة الرقمية، يُقصى من المعادلة، ومن لا ينصت لنبض الجمهور، يُتهم بالجمود والانفصال عن الواقع. لكن، ماذا لو كان هذا “النبض” نفسه مضللا؟
ماذا لو تحوّل “الترند” من أداة تعبير جماهيري إلى سلاح ضغط أو ابتزاز أو حتى تضليل؟
من يملك حق صياغة الحقيقة اليوم: الصحافي الذي يبحث ويدقق؟ أم الجمهور الذي يقرر ويدين ويهلل بضغطة زر؟
هل أصبح دور الصحافة مجرد “مواكبة” لما هو شائع؟ أم أن عليها أن تقف أحيانًا في وجه الموجة، ولو دفعت الثمن؟
ما الفرق اليوم بين إثارة قضية عامة وافتعالها؟ بين كشف الحقيقة وتضخيم قصة؟
وهل يمكن للصحافة أن تظل وفية لمهنيتها وسط صخب الهاشتاغات، دون أن تفقد جمهورها أو تتهم بالتواطؤ؟
و الأهم من ذلك: هل نحن نعيش عصرًا جديدًا من “الديمقراطية الرقمية”، أم زمنًا آخر من الفوضى المقنعة بلباس التفاعل؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى