
حسين العياشي
بعد سنوات من الفضائح التي هزت بعض الجامعات المغربية، أعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي خطوة غير مسبوقة بإلغاء المباريات الكتابية والشفوية للولوج إلى سلك الماستر، والاكتفاء بالانتقاء المبني على النقاط والمعدلات فقط. جاء هذا القرار ضمن دفتر الضوابط البيداغوجية الوطنية لسلك الماستر، الذي نُشر في الجريدة الرسمية يوم 14 غشت الجاري، عدد 7430، ليشكل بداية مرحلة جديدة في تاريخ التعليم العالي بالمغرب.
وأكد عمر الشرقاوي، أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق بالمحمدية، أن هذه الخطوة تهدف إلى تعزيز الشفافية وتقليص التدخل المباشر للأساتذة في عمليات الانتقاء، التي كانت في بعض الكليات مصدرًا للجدل والفضائح. وأضاف أن العمداء أو من ينوب عنهم سيتولون رئاسة لجان الانتقاء، لضمان حياد القرارات وإغلاق أي ثغرة قد يستغلها بعض المترشحين في علاقاتهم المباشرة مع الأساتذة، مع رفع عدد المقبولين بما يقترب من هدف وزير التعليم العالي بالاعتماد على الولوج المفتوح، والحفاظ على مجانية الالتحاق للطلبة، إلى جانب تجربة الزمن الميسر التي ستعمم على جميع الكليات.
من جهته، الدكتور الصوصي العلوي عبد الكبير أشاد بالإصلاحات، معتبرًا أن حذف المباراة في بعض الماسترات، والتي كانت نتائجها معروفة سلفًا، والاعتماد على دراسة الملفات، يمثل خطوة إيجابية. كما أبرز تقوية دور الشعب وحذف التراتبية بين الأساتذة في اعتماد الماستر، ما ألغى التمييز بين الأساتذة بناءً على المحاضر أو المؤهل، وهو ما كان يُعد سيفًا مسلطًا على الكفاءات الجديدة. ومع ذلك، أشار إلى أن هناك تباينًا بين الجامعات في سلم التنقيط، وظاهرة الغش التي تتطلب التصدي لها، مؤكدًا ضرورة الزيادة في عدد المقبولين لضمان شمولية الإصلاحات.
أما الدكتور أمين السعيد، فأوضح أن الولوج إلى الماستر سيعتمد على الانتقاء بناءً على دراسة الملفات وفق المعايير المحددة في الملف الوصفي، مع تسجيل الحاصلين على إجازة التميز تلقائيًا. ورغم أن هذا الإصلاح يحمل إيجابيات كبيرة، فإنه يتضمن أيضًا سلبيات ستظهر جلية مع مرور السنوات وتجربة الممارسة العملية.
وأكدت سلوى السوماتي أن صدور دفتر الضوابط البيداغوجية الجديد يعكس محاولة لتجاوز الاختلالات السابقة المرتبطة بالمباريات الشفوية والكتابية وما صاحبها من شبهات المحسوبية والزبونية. لكنها شددت على أن هذا التوجه، رغم أهميته، يطرح سؤال القيمة الفعلية للدبلوم الجامعي في ظل تضخم أعداد الخريجين مقابل محدودية فرص الشغل. وأشارت إلى أن الإصلاح الحقيقي لا يمكن أن يقتصر على إعادة ترتيب مساطر الولوج أو زيادة المقاعد، بل يجب أن يرتكز على مراجعة جوهرية لمضامين التكوين وربطها بحاجيات المجتمع وسوق العمل، مع الاستثمار في اللغات والمهارات العملية والتقنيات الحديثة، وربط الجامعة بالاقتصاد الوطني ومحيطها المقاولاتي، لضمان الانتقال من منطق الكم إلى منطق الكيف، ومن الشهادة إلى الكفاءة المهنية.
بهذا الإصلاح، يضع المغرب حدًا لممارسات كانت تهدد مصداقية التعليم العالي، ويؤسس لمرحلة جديدة تحترم الجدارة والشفافية، وتفتح الطريق أمام نظام ماستر أكثر عدلاً وإنصافًا للطلبة، مع الحفاظ على روح المنافسة العلمية بعيدًا عن المحسوبية والتدخلات غير المبررة، في سياق يُظهر ضرورة مواءمة التعليم الجامعي مع واقع سوق العمل المتقلب وسياسات التقشف الحكومية التي تحد من فرص الوظائف العمومية.





