مجلس النافسة: أسواق الجملة.. نزيف صامت يضاعف الأسعار ويثقل كاهل الأسر المغربية

حسين العياشي

رسم مجلس المنافسة في تقريره السنوي صورة قاتمة عن وضعية أسواق الجملة بالمغرب، التي تحولت، بدل أن تكون رافعة لتنظيم العرض وتثبيت الأسعار، إلى نقطة ضعف هيكلية تستنزف جيوب المواطنين وتضاعف كلفة المعيشة. المجلس كشف أن المواد الفلاحية، خاصة الخضر والفواكه، تمر عبر سلسلة طويلة من الوسطاء، ما يؤدي إلى تضخم أسعارها بنسبة قد تتجاوز في بعض الأحيان 40 إلى 60 في المائة قبل وصولها إلى المستهلك. ففي الوقت الذي يبيع فيه الفلاح الطماطم أو البطاطس بثمن لا يتعدى درهماً ونصف أو درهمين للكيلوغرام، قد يجدها المواطن في السوق بأكثر من خمسة دراهم، والفارق يذهب إلى جيوب شبكات الوساطة التي تتحكم في مسارات التوزيع.

الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فالمجلس أشار أيضاً إلى أن أغلب أسواق الجملة تعيش على وقع بنية تحتية متجاوزة، وغياب الشفافية في عمليات البيع والشراء. وهذا الواقع يُمكّن فاعلين بعينهم من افتعال الندرة أو التحكم في العرض، ما يفتح الباب أمام ممارسات احتكارية تضرب في العمق قواعد المنافسة الشريفة.

كما لفت التقرير إلى أن هذه الوضعية تضعف مردودية الفلاح نفسه، الذي يظل الحلقة الأضعف، إذ لا يجني سوى هامش محدود مقارنة بما يربحه الوسطاء. النتيجة أن المواطن يدفع الثمن مرتين: مرة حين يقتني المنتوج بسعر مرتفع، ومرة أخرى حين تُهدر ثقة المستهلك في السوق الوطني لصالح المنتوجات المستوردة التي تبدو في أحيان كثيرة أكثر تنافسية.

مجلس المنافسة دعا بوضوح إلى ثورة تنظيمية داخل أسواق الجملة، ترتكز على تحديث بنياتها، واعتماد أنظمة رقمية لضبط العمليات التجارية، مع توسيع قاعدة المنافسة وتمكين التعاونيات والفلاحين الصغار من الولوج المباشر للأسواق، دون المرور عبر حلقات وساطة مكلفة.

المغزى الأبرز من التقرير هو أن إصلاح أسواق الجملة لم يعد خياراً ثانوياً، بل ضرورة اجتماعية ملحة، لأن تحسين حكامة هذه الفضاءات قد يساهم بشكل مباشر في تخفيض أسعار سلة الاستهلاك اليومية، ويعيد للمواطن المغربي جزءاً من قدرته الشرائية المهدورة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى