محكمة فاس تلغي قرارًا إداريًا يربط الحصول على شهادة الوفاة بسداد الديون الطبية

حسين العياشي
قضت المحكمة الإدارية في فاس بإلغاء قرار ضمني أصدره مدير المركز الاستشفائي الجامعي الحسن الثاني، والذي كان يرفض تمكين رجل من شهادة وفاة زوجته، استنادًا إلى عدم سداد العائلة لمصاريف العلاج التي بلغت 130 ألف درهم (حوالي 13 مليون سنتيم). واعتبرت المحكمة أن هذا الرفض يشكل “تجاوزًا واضحًا للسلطة” وخرقًا لمبادئ تبسيط الإجراءات الإدارية، لتمنح الطاعن حقه في الحصول على الوثيقة. كما أكدت على أن أي مديونية قائمة يجب تسويتها وفق المساطر القانونية الخاصة بها، ولا يمكن ربطها بوثيقة رسمية.
وتعود وقائع القضية إلى الأول من مايو 2023، حيث تقدم الزوج بطلب إلى إدارة المستشفى للحصول على شهادة وفاة زوجته التي فارقت الحياة في هذا التاريخ. غير أن الإدارة امتنعت عن إصدار الشهادة، معللة قرارها بوجود دين مستحق على عائلة المتوفاة يتعلق بمصاريف العلاج. استندت الإدارة في هذا القرار إلى مقتضيات قانونية من قانون الالتزامات والعقود، التي تسمح للدائنين بالامتناع عن الوفاء بالالتزامات طالما لم يتم سداد المديونية.
من جهته، اعتبر الطاعن أن قرار الامتناع عن تسليم شهادة الوفاة كان تعسفيًا، لا يستند إلى أي أساس قانوني. وأكد أن ممارسة حقه في الحصول على الوثيقة لا يمكن أن تخضع للمنطق “المقايضي” بين الحصول على شهادة رسمية وديْن طبي، مشددًا على أن المديونية تُعالج وفقًا للمساطر القانونية الخاصة بها التي تتيح للمستشفى اتخاذ الإجراءات القضائية لاستيفاء حقه، دون أن يكون لذلك تأثير على حقوقه الأساسية.
بعد دراسة المذكرات المقدمة والاستماع إلى تقرير المفوض الملكي، خلصت المحكمة في حكمها الصادر بتاريخ 6 مايو 2025 إلى أن شهادة الوفاة هي حق أساسي مكفول بموجب القانون رقم 36.21 المتعلق بالحالة المدنية. وأكدت أن رفض تسليمها استنادًا إلى وجود دين يتعارض مع هذا الحق ولا يستند إلى أي سند قانوني سليم. كما أشارت المحكمة إلى أن ربط الحصول على شهادة وفاة بوجود دين يعد خرقًا صريحًا لمقتضيات القانون 55.19 المتعلق بتبسيط الإجراءات الإدارية، الذي يهدف إلى إزالة أي عراقيل غير مبررة أمام المواطنين في الحصول على الخدمات العمومية.
وفي ضوء ذلك، قضت المحكمة بإلغاء القرار الضمني لمدير المستشفى، مع ترتيب كافة الآثار القانونية المترتبة على هذا الإلغاء. كما رفضت المحكمة ملتمس التنفيذ المعجل لغياب المبررات القانونية التي تدعمه.
يجسد هذا الحكم في سياق نقاش واسع حول علاقة المواطن بالمؤسسات العمومية، تأكيدًا على ضرورة الفصل بين الحقوق الأساسية للمواطنين وبين النزاعات المالية، التي يجب أن تظل خاضعة لمساطر قانونية مستقلة. ويعكس هذا القرار ضرورة احترام الإدارات العمومية للقوانين التي تضمن للمواطنين حقوقهم الأساسية، وتؤكد على أهمية تبسيط الإجراءات الإدارية وتيسير وصول المواطنين إلى الوثائق الرسمية دون أي تعقيدات غير مبررة.





