مدارس الريادة.. هل هو تحول في منظومة التعليم العمومي أم تمهيد لخوصصته؟..خبراء يجيبون

خديجة بنيس: صحافية متدربة
يندرج برنامج مدارس الريادة في إطار تنزيل خارطة الطريق2022-2026 من أجل مدرسة عمومية ذات جودة التي تهدف إلى تنفيذ إصلاح المنظومة التربوية المنصوص عليه في البرنامج الحكومي، وفقا للقانون الإطار 51.17 وتوصيات النموذج التنموي الجديد.
تعليم مبتكر
أكد رئيس المرصد الوطني الوطني للتنمية البشرية، عثمان كاير في تصريح لموقع “إعلام تيفي“، أن البحث الميداني الذي أنجزه المرصد، مكن من تسجيل إشارات إيجابية فيما يتعلق بانخراط الأساتذة بصفتهم الفاعلين الأساسيين في هذا الإصلاح في مبادئ وقيم، وأهداف برنامج مدارس الريادة.
وأشار إلى أن المقاربة المبتكرة المعتمدة من طرف البرنامج ساهمت بشكل كبير في تحسين طرق التدريس وتفاعل التلاميذ داخل الأقسام الدراسية. فهذه المقاربة تركز بالأساس على التلميذ بفضل منهجية التدريس القائم على المستوى المناسب (TaRL) التي تسمح للأساتذة بالاستجابة لإيقاعات وأساليب التعلم الفردية لكل تلميذ، وهو ما يساعد على توفير بيئة تعليمية أكثر إدماجا وملاءمة.
وأضاف المتحدث أنه بفضل إدماج الموارد الرقمية التي يوفرها البرنامج، وأصبح الأساتذة يتوفرون على أدوات تخلق بيئة تعليمية أكثر دينامية وتفاعلية. كما مكن البحث من استنتاج بعض المؤشرات الأساسية للتغيير تتعلق بتأثير البرنامج على الحياة المدرسية بمدارس الريادة والتي تهم المسؤولية المشتركة، والتعاون، والتواصل، والثقة والاحترام المتبادلان، والاستقلالية، وفرض الذات، والأثر النفسي والاجتماعي.
وبخصوص تأثير البرنامج على التلاميذ، يضيف عثمان كاير أن البحث الميداني مكن من استخلاص أن البرنامج كان له تأثير كبير على المكتسبات التعلمية للمواد الرئيسية الثلاث (العربية والفرنسية والرياضيات)، حيث تم تسجيل مجموعة من التحسينات الملحوظة تخص أساسا؛ تمكّن التلاميذ من هذه المواد، بفضل الطرق الملائمة والجذابة المعتمدة في إطار البرنامج. كما أن الحماس المتزايد للتلاميذ للتعلم الذي تمت ملاحظته يشكل أحد أهم مؤشرات نجاح برنامج مدارس الريادة، مؤكدا أن كل هذه العوامل مجتمعة من شأنها أن تساعد على إنجاح الإصلاح المنشود للمنظومة التربوية.
استراتيجية التنزيل
أكدت الحكومة غير ما مرة أنها تراهن على برنامج مدارس الريادة كوسيلة للنهوض بالتعليم العمومي في المملكة، لإدخال إصلاحات جذرية في هذا القطاع الحيوي، بهدف تحسين نوعية التعليم وتطوير المنظومة التعليمية بشكل شامل. يهدف البرنامج إلى تعزيز مهارات الطلاب وقدراتهم على التفكير النقدي وحل المشكلات، وتعزيز الإبداع والابتكار في بيئة تعليمية تحفز على التفوق والتميز. من خلال هذه الجهود، تسعى الحكومة إلى وضع المنظومة التعليمية في مسار تحقيق التقدم المستدام والتطور المستمر، من أجل مستقبل أفضل للطلاب وللمجتمع بأسره.
في هذا الصدد أفاد محمد غيات عضو المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي أن مدارس الريادة هي جزء من رؤية اصلاحية كبرى جاءت بها الحكومة في إطار تنزيل الرؤية الاستراتيجية 2030/2015 وكذلك مقتضيات القانون الإطار، كل هذا تم وضعه في خارطة الطريق 2022/2026 بغاية الرفع من جودة التعلمات الأساسية واستثمار الطرائق والمقاربات البيداغوجية الحديثة.

وأضاف في تصريح لموقع “إعلام تيفي”، أنها جيل جديد من المدرسة العمومية القائم على مقاربة جديدة تعتمد على استعمال التقنيات التربوية الحديثة وتوفير التأطير التربوي والبيداغوجي المناسب حتى لا يبقى هناك فرق في الوسائل بين القطاع العام والقطاع الخاص، مشيرا أن الجديد في مدارس الريادة هو عدم الاكتفاء بالتعليم التقليدي، بل يتم تدارك الفروقات الفردية عبر أجرأة أنشطة الدعم بشكل اسبوعي باعتماد مقارنة التدريس حسب المستوى المناسب.
وأبرز غيات أن التجربة الاولى اعتمدت على تأهيل 628 مدرسة يستفيد منها أكثر من 390 ألف تلميذ وتلميذة وتعبئة 10 ألف أستاذ وأستاذة ومواكبة 158 مفتش تربوي مع توفير تحفيزات مالية للأطر التعليمية للعطاء أكثر ستصل إلى 10 الالاف درهم في الموسم الدراسي.
وبعد المرحلة التجريبية التي عرفت نجاح مهم أكدتها التقييمات التي انجزت حول التلاميذ، سوف تعمل الحكومة على تعميم التجربة على كلّ المؤسسات التعليمية الوطنية بوثيرة 2000 مؤسسة كل سنة، وفق محمد غيات.
الأهداف المنشودة
يسعى برنامج “مدارس الريادة“، إلى تحقيق تحول جذري في المدارس العمومية من خلال تعزيز العدالة التربوية ورفع مستوى الأداء التعليمي، من خلال تحفيز الطلاب على التعلم المستمر وتطوير مهاراتهم الأساسية، بالإضافة إلى تمكين الأساتذة من استخدام التكنولوجيا الرقمية بفعالية في عملية التعليم والتعلم، كما يسعى البرنامج إلى تعزيز دور الأسر وأولياء الأمور كشركاء في مسيرة التعليم، وضمان استمرارية البرنامج من خلال تأمين الموارد اللازمة وإقامة آليات فعالة للتواصل والتقييم المستمر.
ووفق خلاصات المرصد الوطني للتنمية البشرية، فإن برنامج “مدارس الريادة“، هو أداة للتغيير التربوي المستدام، يركز أساسا على العدالة التعليمية وتحسين الأداء التعليمي من خلال التكنولوجيا والتعاون المجتمعي.
حيث يعمل البرنامج على تحقيق العدالة من خلال تعزيز المساواة في الاكتساب والتحصيل التعليمي، مع التركيز على معالجة احتياجات المتعثرين، ويشجع على استخدام التكنولوجيا في التعليم لتحسين جودة الشرح والفهم لدى التلاميذ، ويدعم التفاعل المشارك داخل الصف.
ويشير المرصد إلى أن البرنامج يعمل وفق استراتيجية تسهر على تأمين استمراريته من خلال تقييمات دورية وتوفير الموارد الضرورية، مثل صيانة المعدات وتجهيز المؤسسات بالإمكانيات اللازمة، بالإضافة إلى إشراك أولياء الأمور والأسر في نجاح البرنامج وتحسين مسارات التعليم للتلاميذ، والاعتماد على آليات فعالة للتواصل والمتابعة بين الإدارات التعليمية والمدارس لضمان تنفيذ البرنامج بنجاح.
التحديات والاختلالات
“مدارس الريادة هي بداية خوصصة قطاع التعليم، تخفي الرؤية المحتشمة لخوصصة التعليم“، بهذه العبارة علق محمد أوزين الأمين العام لحزب الحركة الشعبية على برنامج مدارس الريادة خلال مداخلته في الدورة الثانية للمجلس الوطني للحزب، مؤكدا أن هذا البرنامج لا يضع المدرسة العمومية ضمن أهدافه المنشودة.
في السياق نفسه، قال الخبير التربوي عبد الناصر الناجي، رئيس مؤسسة “أماكن لجودة التربية والتكوين“، إن العديد من السياسات والمواقف الحكومية في مجال التعليم تخدم القطاع الخاص.

وقال في تصريحه ل“إعلام تيفي“، إن “ترك الدراسة في التعليم العمومي لمدة أربعة أشهر بسبب النظام الأساسي لموظفي التعليم، وتأخر الحكومة في الاستجابة لمطالب أسر التعليم المتعلقة به، وعدم اتخاذ قرارات مناسبة تجاه مطالب طلاب الطب، كلها مواقف تصب في مصلحة التعليم الخاص، الذي أصبح بديلاً مرغوبًا من قبل الأسر. خاصة وأن الحكومة تؤكد في كل مناسبة على أن المدرسة العمومية تعيش في أزمة مزمنة وحادة.
وفي المقابل، يضيف المتحدث، لم تتخذ الحكومة أية إجراءات لضبط التعليم الخاص ومراقبته وتحديد رسوم التمدرس فيه كما ينص عليه القانون الإطار، بل اعتبرت التعليم بضاعة تخضع لمنطق السوق، ما يتعارض صراحةً مع القانون، وهو ما أكده مجلس المنافسة بشكل مستمر.
وسجل الناجي أن برنامج مدارس الريادة يعاني من تحديات كبيرة في تقييم فعاليته وتعميمه، حيث يفتقر إلى إطار موضوعي ومعايير واضحة تسهم في تحقيق الأهداف المنشودة بشكل فعّال.
وأضاف المتحدث أن الحكومة بدأت في تطبيق نموذج مدارس الريادة لمواجهة هذه الأزمة، بهدف مضاعفة عدد التلامذة الذين يتحكمون في التعلمات الأساسية وتخفيض معدلات الهدر المدرسي، لكن هذا البرنامج يعاني من تحديات كبيرة في تقييم فعاليته وتعميمه، نظراً لنقص الإطار الموضوعي والمعايير الواضحة التي تسهم في تحقيق الأهداف بشكل فعال.
وأبرز الخبير التربوي أن هذه التحديات تشمل أيضاً تحديات تكافؤ الفرص بين طلاب مدارس الريادة والطلاب في باقي المدارس، وتحدي التعميم الذي يتطلب تقييم التجربة الحالية من جهة خارجية موثوقة قبل توسيع البرنامج، وتوفير الإمكانيات الضرورية لتعميمه مع الحفاظ على مستوى الجودة المطلوب.
جيل جديد
بعد المدارس الرائدة تستعد وزارة التربية الوطنية في الدخول المدرسي المقبل لإطلاق المرحلة التجريبية للإعدادية الرائدة، التي تهدف بالأساس إلى محاربة الهدر المدرسي، خاصة وأن الهدر المدرسي يتمركز أكثر على مستوى الإعداديات حيث يغادر200 ألف تلميذ صفوف الإعداديات كل سنة، ويهدف البرنامج الجديد لهذه التجربة لمحاربة الهدر المدرسي من أجل تأمين فعالية التمدرس الإجباري.
وفي هذا الصدد أكد عثمان كاير رئيس المرصد الوطني للتنمية البشرية في تصريحه الذي خص به موقع “إعلام تيفي“، أن وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، تعتزم توسيع نطاق برنامج المدارس الرائدة ليشمل مؤسسات أخرى في بداية الدخول المدرسي 2024/2025، لا سيما الثانويات الإعدادية.

وقد مكن البحث الميداني الذي أنجزناه في المرصد من الوقوف على بعض التحديات والصعوبات التي تخص إضفاء الطابع المؤسساتي على منظومة تدبير البرنامج، كما أن تحدي تعميم البرنامج بنجاح يبقى مرهون باستقرار الدعم السياسي والقدرة على تعبئة الموارد لضمان استدامته واستمراريته. يضيف عثمان كاير
من ناحية أخرى، من شأن عدم اتساق البنية التحتية التكنولوجية لا سيما بالمناطق القروية أن يعيق الإدماج الفعال للموارد الرقمية في العملية التعليمية. وفق رئيس المرصد.
وسجل أن سيرورة تنفيذ البرنامج تشكل إطارا مواتيا للتشاور والتفاوض. على أن روح الحوار هذه التي سادت في المرحلة التجريبية، وجب تعزيزها في مرحلة التعميم من خلال استراتيجية للتحسيس والتواصل لفائدة جميع أصحاب المصلحة.