مشروع تحلية المياه يرسم للمغرب ملامح سيادته المائية

إعلام تيفي
يعزز المغرب جهوده لبناء نموذج مائي مستدام ينسجم مع رؤية ملكية واضحة تهدف إلى ضمان الأمن المائي للأجيال المقبلة، وذلك لمواجهة التحديات المتزايدة المرتبطة بالإجهاد المائي وتراجع الموارد الطبيعية. في هذا الإطار، تبرز محطة تحلية مياه البحر بجرف الأصفر، التابعة لمجموعة OCP، كأحد أعمدة هذه المقاربة الاستراتيجية، ليس فقط من حيث حجمها، بل أيضاً من حيث هندستها التقنية المتقدمة ومردوديتها البيئية.
هذه المنشأة، التي إنطلقت عمليا منذ سنة 2023، تقع على بعد 17 كيلومتراً من مدينة الجديدة و120 كيلومتراً من الدار البيضاء، وتعد اليوم أكبر وحدة لتحلية مياه البحر في المغرب، بطاقة إنتاجية تبلغ 200 مليون متر مكعب سنوياً، حيث تساهم المحطة في تأمين حاجيات الدار البيضاء الجنوبية من خلال تزويدها بنحو 60 مليون متر مكعب من الماء الصالح للشرب سنوياً، إلى جانب 30 مليون متر مكعب لمدينة الجديدة، فضلاً عن 65 مليون متر مكعب مخصصة لتلبية الحاجيات الصناعية لمركب OCP المحلي.
إن الجانب الأبرز في هذا المشروع، لا يقتصر على حجم أو سرعة الإنجاز، وإنما يتجلى في اعتماده على منظومة تشغيل منخفضة الانبعاثات، بفضل استخدام تقنية الأسموز العكسي المدعومة بنظام استرجاع للطاقة يغطي ما يصل إلى 50بالمئة من احتياجات العملية. وهو ما مكن من خفض الاستهلاك إلى 3 كيلوواط/ساعة لكل متر مكعب، يعتمد بشكل كامل على مصادر الطاقة المتجددة.
يمثل هذا المشروع نقطة تحول ضمن رؤية “برنامج الماء الأخضر” الذي أطلقته مجموعة OCP من خلال ذراعها المتخصصة OCP Green Water، حيث تراهن المجموعة على بلوغ قدرة إنتاج إجمالية تصل إلى 600 مليون متر مكعب من المياه غير التقليدية سنوياً بحلول عام 2027. وقد بدأ هذا التحول بالفعل مع دخول محطة آسفي للخدمة، وبتفعيل خط أنابيب استراتيجي بطول 200 كيلومتر يربط بين جرف الأصفر وخريبكة، يؤمّن بدوره 35 مليون متر مكعب سنوياً لاحتياجات المجمع المنجمي، و10 ملايين متر مكعب للساكنة المحلية.
في سياق متصل، تتوسع المجموعة في مشاريع إعادة استخدام المياه العادمة المعالجة، حيث تعمل حالياً ثماني محطات في مدن من بينها آسفي، فقيه بنصالح، ومراكش، بقدرة إنتاجية تبلغ 35 مليون متر مكعب سنوياً، منها 12 مليون متر مكعب تؤمنها وحدها محطة مراكش التي دخلت حيز الخدمة في يونيو 2024.
تأتي هذه الاستراتيجي ضمن تعبئة مؤسساتية واسعة، بشراكة بين مجموعة OCP والوزارات المختصة، والسلطات الجهوية، وجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، بهدف تكريس الابتكار والبحث العلمي في خدمة الأمن المائي. ويشدد المسؤولون على أن جميع المنشآت مصممة لتشتغل بالكامل بالطاقة النظيفة، في انسجام مع التوجه الوطني نحو اقتصاد أخضر مستدام.
ويستكمل المغرب هذا التحول البنيوي بإطلاق مشاريع نوعية، أبرزها محطة تحلية مياه البحر بالدار البيضاء، التي أعطى انطلاقتها ولي العهد الأمير مولاي الحسن يوم 10 يونيو 2024 بمنطقة لمهارزة الساحل. وتُعد هذه المحطة المرتقبة الأكبر من نوعها على مستوى القارة الإفريقية، وتدخل ضمن البرنامج الوطني لتأمين الماء الشروب والري للفترة 2020-2027، الهادف إلى تلبية الحاجيات المتزايدة للجهة الأكثر كثافة سكانياً.
كما تباشر جهة الدار البيضاء – سطات تنفيذ مشروع متكامل لإنشاء 28 محطة تحلية صغيرة الحجم (SMB) في المناطق القروية، بكلفة إجمالية تناهز 400 مليون درهم، تمول بشراكة بين الدولة والجهة، ما يعكس إدراكاً جماعياً لحجم الرهان المطروح.





