مشروع قانون المالية 2026.. أرقام لطمأنة المستثمر الأجنبي لا لحل أزمات المغاربة

حسين العياشي

مرة أخرى، يلاحظ المحللون أن الحكومة اختارت أن تخاطب الأسواق الدولية أكثر مما تخاطب المغاربة، وهي تستعد لإعداد مشروع قانون المالية لسنة 2026 في ثوب الانضباط المالي والالتزام بتوازنات الماكرو اقتصاد، بينما الواقع الاجتماعي يئن تحت وطأة الغلاء وتراجع القدرة الشرائية واتساع رقعة الهشاشة.

المذكرة التوجيهية للمشروع تمتلئ بمصطلحات مثل “استدامة المالية العمومية”، و”ضبط المديونية”، و”تقليص العجز”، وهي أهداف محمودة على الورق، لكنها تتحول، في ظل الظروف الحالية، إلى فخ اقتصادي واجتماعي. فالإصرار على تقليص عجز الميزانية إلى 3%، وضبط المديونية عند 65,8% من الناتج الداخلي الخام، لا يجيب على سؤال الشارع: ماذا عن أسعار المواد الغذائية، والسكن، والنقل، وفاتورة الماء والكهرباء؟

الحكومة تعلن أن أولوية الإنفاق ستكون “الاستثمارات ذات الأثر الاقتصادي والاجتماعي الكبير”، لكن التجربة حسب بعض المحللين الاقتصادين تقول عكس ذلك، معللين جوابهم، بكون هذا النوع من المشاريع غالبًا ما يترجم إلى أوراش ضخمة في البنية التحتية، قد تُنعش مؤقتًا قطاع البناء أو المقاولات الكبرى، لكنها لا توفر حلولاً مباشرة لمشاكل البطالة أو الفقر أو ضعف الخدمات الصحية والتعليمية.

ثم إن الحديث عن “ترشيد نفقات التسيير” و”تحسين الكفاءة” يبدو جميلًا في النص، لكنه في نظرهم، قد يعني تقليص ميزانيات قطاعات اجتماعية حساسة، أو تجميد التوظيف في قطاعات تحتاج بشكل عاجل إلى موارد بشرية، كالتعليم والصحة، بحجة ضبط النفقات.

أما الرهان على الشراكات بين القطاعين العام والخاص وتمويل الأولويات، عبر “تثمين الأصول العمومية” و”تنويع آليات التمويل المبتكرة”، فاعتبره المحللون سلاحا ذو حدين. فبيع أو تفويت الأصول العمومية، أو منح امتيازات استثمارية واسعة، قد يحقق بعض المداخيل الآنية، لكنه يضع ثروات البلاد الاستراتيجية بين أيدي القطاع الخاص، وقد يقوض المصلحة العامة على المدى الطويل.

الغائب الأكبر في هذا المشروع، في رأيهم، هو التوجه نحو سياسات جريئة تعيد توزيع الثروة وتحقق العدالة الاجتماعية فعليًا. لا حديث عن فرض ضرائب استثنائية على الثروات الكبرى أو الأرباح الفاحشة لبعض القطاعات المحتكرة. لا رؤية واضحة لمعالجة الخلل في الأجور أو لحماية الطبقة الوسطى التي تتآكل يومًا بعد يوم.

عموما، فإن مشروع قانون المالية 2026 يطمئن المؤسسات المالية الدولية والمستثمرين أكثر مما يطمئن الأسر المغربية، ويتبنى خطاب الأرقام المستقرة بدل مواجهة الحقائق المقلقة في الميدان. إنه مشروع للاستمرار في نفس المسار، حتى وإن كانت الإشارات القادمة من الشارع تقول بوضوح إن المسار لم يعد يلبي انتظارات الناس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى