معاناة في الظل.. شقيقان مصابان بجفاف الجلد المصطبغ يطالبان بـ”الكرامة”

إعلام تيفي_إيمان أوكريش
في قلب سهل سوس، وتحديدا بأولاد تايمة بإقليم تارودانت، كانت أولى خطواته، حاملا معه شعار “المقاومة”؛ مقاومة المرض والظروف.
منذ بلوغه عامه الأول، بدأت تظهر على بشرته بقع سوداء كلما تعرض لأشعة الشمس. لم يكن الأمر عاديا، ولا مجرد حساسية عابرة، بل مرضا نادرا.
طفل “القمر” حمزة تزمرت، الذي أصبح شابا في الثامنة والعشرين من عمره، ليس وحده المصاب بـ“جفاف الجلد المصطبغ” فأخوه محمد، الذي يكبره بسنتين، ولد هو الآخر بالمرض ذاته.
وفي حديثنا لحمزة أكد أنه لا وجود لقرابة مباشرة بين والديهما، لكن جدته وجده من جهة الأم كانا أولاد عم، وهذا ما يرجح سبب إصابتهما، في ظل ما يعرف علميا بأن زواج الأقارب يعد من مسببات الأمراض الوراثية النادرة.
عزلة وتحد
حرمتهما الشمس من أبسط حقوقهما، وكان أول الحلول الطبية التي قدمت للعائلة هو عزلهما عن الأشعة فوق البنفسجية، دون علاج أو تشخيص واضح، خاصة أن المرض يمكن أن يؤدي إلى سرطانات خبيثة، وقد تكون مميتة.
“حبسوهم فالبيت” كانت الوصفة الطبية التي قيلت للوالدين، وهكذا أغلق باب المدرسة قبل أن يفتح، وظلا بعيدين عن التعليم إلى سن الثامنة، بعد أن تدخل خالهما وأصر على تسجيلهما في المدرسة، لكن المسافة الطويلة والطريق الوعرة من قريتهم إلى المدرسة كانت أولى العقبات، إذ أن حمزة ومحمد كانا يلفان جسديهما بثياب ومنشفات فقط لحماية بشرتهما من الشمس.
في القسم، لم يكن الوضع أسهل، فالأساتذة لم يكونوا على دراية بالمرض، والتلاميذ مارسوا كل أشكال التنمر والعزل. ورغم ذلك، تشبثا بحلم التعلم. تنقلا بين مدارس، وطردا أحيانا فقط بسبب الجهل بالمرض. ففي الإعدادي، رفض مدير المؤسسة تسجيلهما بدعوى أن المرض معد، وهو ليس بمعد.
وبعد توقف مسيرتهما لسنة كاملة، التحقا بمعهد الأمير مولاي الحسن لتربية وتعليم المكفوفين بتارودانت لدراسة الثانوي الإعدادي، لينتقلا إلى مدينة تمارة لمتابعة دراستهما الثانوية بمعهد محمد السادس للتربية وتعليم المكفوفين، وتمكنا من الحصول على شهادة الباكالوريا سنة 2019.
والتحدي استمر مع التعليم الجامعي، فالدراسة بكلية الحقوق بجامعة محمد الخامس السويسي لم تكن سهلة، إذ إن الحضور اليومي كان مستحيلا بفعل أشعة الشمس، فكان التعليم عن بعد هو السبيل الوحيد، رغم عدم تقبله من طرف بعض الأساتذة، الذين يصرون على الحضور، لكن “جائحة كورونا” كانت نعمة كما قال حمزة.
وبحلول سنة 2022، حصل حمزة ومحمد على الإجازة في القانون الخاص، ثم بعدها على إجازة في القانون العام تحت عنوان “الوضعية القانونية لمرضى جفاف الجلد المصطبغ (أطفال القمر)، ليكونا أول حاملين لهذا المرض ينالان شهادة جامعية بالمملكة. غير أن الفرح لم يكتمل، فكلما اجتازا مباراة للتوظيف ونجحا كتابيا، يتم إقصاؤهما في الشفوي بسبب “البروفايل”، بسبب التشوهات الطفيفة على وجهيهما، حسب قولهما.
وتابع حمزة أنه تم إقصاؤهما حتى في المباراة الموحدة الخاصة بالأشخاص في وضعية إعاقة بنفس الشكل، ولمرتين.
مراسلات بدون رد
وفي مواجهة هذا “الإقصاء”، اختار الأخوان تزمرت خوض مسار نضالي هادئ عبر القنوات الرسمية، حيث وجها منذ سنة 2023 ما لا يقل عن 25 مراسلة إلى عدة جهات وزارات ومؤسسات وطنية.
وكانت البداية مع وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، سواء في عهد الوزيرة السابقة عواطف حيار أو الحالية نعيمة بنيحيى، دون أن يحظيا بأي لقاء أو حتى رد.
كما راسلا المجلس الوطني لحقوق الإنسان خلال سنتي 2023 و2025 دون أن يتلقيا أي تفاعل، إضافة إلى وزارة الصحة والحماية الاجتماعية التي لم تبد بدورها أي تجاوب.
ولم يكن حظهما أفضل مع وزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، رغم إرسال طلبات تذكير، ولا مع وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، ومدير الوظيفة العمومية، كما لجآ إلى عدد من النواب البرلمانيين طلبا للتدخل، دون أن تثمر هذه المبادرات عن أي نتيجة.
ورغم كل هذه المساعي، لم يدرج مرض جفاف الجلد المصطبغ ضمن لائحة الإعاقات المعترف بها قانونيا، كما لم يخصص له أي إطار قانوني يحمي حقوق المصابين به، الذين يتجاوز عددهم 800 شخص في المغرب، معظمهم يعيشون تحت عتبة الفقر، ومحرومون من التمدرس بسبب غياب مؤسسات تعليمية مهيأة لاحتياجاتهم الخاصة.
ويطالب حمزة وأخوه محمد بالاعتراف الرسمي بالمرض كإعاقة قانونية، وإدراجه ضمن لائحة الإعاقات المؤطرة تشريعيا، لأنه، وحسب شهادتهما، “أب الإعاقات”، ففي حالتهما مثلا أدى إلى فقدان الجزء العلوي من أذنيهما وإلى التأثير على بصرهما. إلى جانب المطالبة بالتعويض عن الأدوية عبر الضمان الاجتماعي، نظرا لأثمنتها الباهظة، لأنها تصنف كمواد تجميلية رغم طابعها العلاجي، وبالتالي لا تدخل في خانة التعويضات.
وقال حمزة أنه تخلى منذ زمن عن بعض المراهم الطبية والأدوية، نظرا لارتفاع أثمنتها، مضيفا أنه لما تأثرت قرنيته بالمرض، خاصة أن عيون المصابين بهذا المرض لا تنتج الدموع، وأراد أن يلتجئ، من جديد، إلى قطرات الدموع الاصطناعية لم يجدها في الصيدليات.
وينادي الإخوة تزمرت كذلك بإحداث مدارس أو معاهد خاصة بمرضى جفاف الجلد المصطبغ لضمان حقهم في التعليم، وتوفير تجهيزات مناسبة في الفضاءات العمومية، ثم حق المصابين في الشغل، عبر إدماجهم في الوظيفة العمومية. ويؤكدان كذلك على ضرورة نشر التوعية بالمرض داخل المدارس والجامعات والفضاءات العامة، لمحاربة التنمر والتمييز الذي يواجهه المصابون به يوميا.
ما يوجع أكثر من المرض هو نظرة الناس. يقول حمزة: “عندما أركب الحافلة أو أحتاج إلى سيارة أجرة، كثيرون يرفضون الوقوف لي لأنني أضع خوذة تحميني من الشمس. أحيانا، أتمنى لو تنشق الأرض وتبتلعني. حتى في الجامعة، هناك من يتهكم ويقول إني فضائي أو مربي نحل”.
حمزة وأخوه لا يطالبان بالكثير، بل فقط بحقوقهما كفردين اختارتهما الشمس ضحايا، متوسلين بالكلمة وبالترافع دون احتجاجات في الشارع، فالشمس أقسى. فقط حلم بالحياة الكريمة، بوظيفة تضمن الاستقرار.
وفي ختام كلماته، يناشد حمزة ومحمد الملك محمد السادس التدخل، بعدما أغلقت في وجههما كل الأبواب.