مكناس.. إدماج الأمازيغية في التعليم على محك البيروقراطية والإهمال

حسين العياشي

يتجه مسار إدماج اللغة الأمازيغية في المؤسسات التعليمية بمكناس نحو مرحلة جديدة، تكتنفها موجة من الجدل والتوجّس، بعدما عبّر عدد من الأساتذة عن استيائهم مما وصفوه بـ”تضييق إداري ممنهج” يهدّد مستقبل مشروع وطني يُفترض أن يحظى بعناية استثنائية، كونه أحد الركائز الأساسية للهوية المغربية المتعددة الروافد.

فبعد أكثر من عقدين من الجهود المتواصلة لترسيخ حضور الأمازيغية في المدرسة العمومية، تتصاعد التحذيرات من أن ممارسات إدارية متراكمة تُقوّض ما تحقق وتعيد هذا الورش الحيوي إلى نقطة الصفر.

تؤكد مصادر تربوية من داخل الإقليم أن أساتذة اللغة الأمازيغية يشتغلون في ظروف وصفتها بـ”المرهقة وغير المنصفة”، إذ يُكلف بعضهم بتدريس أكثر من ثمانية أفواج في مؤسسات متعددة، في خرق واضح للمذكرة التنظيمية رقم 130/2006 التي تحدد سقف الأفواج في ثمانية كحد أقصى، بمعدل ثلاث ساعات لكل فوج. هذا الضغط المفرط، وفق المصادر نفسها، لا يمسّ فقط كرامة الأطر التربوية، بل ينعكس سلباً على جودة العملية التعليمية، ويقوّض المردودية البيداغوجية، مما يؤدي في النهاية إلى تراجع التحصيل الدراسي للتلاميذ.

ويشتكي الأساتذة أيضاً من “استغلال غير مشروع” لقدراتهم المهنية، حيث يُجبر بعضهم على أداء مهام تتعلق بأنشطة الحياة المدرسية لا تدخل ضمن اختصاصهم الأصلي، خلافاً لما نصّ عليه المنهاج الدراسي الرسمي لسنة 2021. هذه الممارسات، كما يوضح المتضررون، تُفرغ مهامهم التربوية من محتواها الحقيقي وتمنعهم من التفرغ لتدريس الأمازيغية وفق الأسس البيداغوجية السليمة. ويزيد الوضع سوءاً غياب قاعات دراسية خاصة بالمادة، ما يضطر الأساتذة إلى التنقل الدائم بين الفصول، في ظروف تفتقر إلى الحدّ الأدنى من الاستقرار والتجهيز، وتحرم المتعلمين من فضاء يحفّزهم على التفاعل مع اللغة وهويتها الثقافية.

في هذا السياق، أصدرت التنسيقية الإقليمية لأساتذة اللغة الأمازيغية بمكناس بياناً استنكارياً عبّرت فيه عن رفضها لما وصفته بـ”الاستهتار الخطير” بالتوجهات الرسمية للدولة في مجال النهوض بالأمازيغية، معتبرة أن ما يجري من ممارسات يتناقض جذرياً مع الخطابات الرسمية، ويُفرغ الإصلاح التربوي من مضمونه الحقيقي. وحمّلت التنسيقية المديرية الإقليمية كامل المسؤولية عن أي تراجع في جودة التعليم أو في نتائج المتعلمين، مطالبة بوقف التكليفات التعسفية، واحترام المذكرات التنظيمية، وتوفير البنية التحتية اللازمة لتدريس الأمازيغية بالشكل اللائق الذي ينسجم مع مكانتها كلغة رسمية للمملكة.

واختُتم البيان بتأكيد التنسيقية استعدادها لخوض مختلف الأشكال النضالية المشروعة دفاعاً عن كرامة الأطر التربوية، وعن حضور اللغة الأمازيغية في المدرسة المغربية، باعتبارها ركناً أساسياً في تحقيق العدالة اللغوية التي نصّ عليها الدستور، وضماناً لتجسيد التعدد الثقافي واللغوي الذي يميز الهوية الوطنية المغربية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى