
حسين العياشي
أحالت النيابة العامة ملفّ أحمد قيلش، إلى جانب خمسة متهمين آخرين، على المحكمة المختصّة بجرائم الأموال، في واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل في الأوساط الجامعية، بعد الاشتباه في التلاعب في تسجيلات سلك الماستر ومنح شهادات جامعية لفائدة أشخاص مقابل مبالغ مالية.
وقد حُدِّد يوم 12 دجنبر الجاري موعداً لافتتاح أولى جلسات المحاكمة أمام محكمة جرائم الأموال بمراكش، حيث تتجه الأنظار إلى هذه القاعة التي ستحتضن فصول محاكمة يتابعها باهتمام كبير طلبة الجامعة والرأي العام على حدّ سواء، بالنظر إلى حساسية الاتهامات التي تمسّ نزاهة الشهادة الجامعية ومصداقية ولوج سلك الماستر.
وتفيد المعطيات المتوفرة بأن الجلسة الافتتاحية ستعرف تلاوة صك الاتهام في حق الأستاذ ومن معه، مع مناقشة الوضع القانوني للمتابعين وتحديد طبيعة التكييف الجنائي للأفعال المنسوبة إليهم، في احترام لمسطرة علنية الجلسات من جهة، وسرية التحقيق من جهة أخرى. النيابة العامة شددت، في هذا السياق، على ضرورة صون قرينة البراءة وضمان حقوق جميع الأطراف، من متهمين ومتضررين، إلى حين صدور أحكام نهائية.
وتعود فصول هذه القضية إلى شهر ماي الماضي، حين تفجّرت المعلومات الأولى داخل جامعة ابن زهر، لتثير عاصفة من التساؤلات حول ظروف الولوج إلى بعض مسالك الماستر بكلية الحقوق بأكادير. حينها، سارع وزير التعليم العالي والبحث العلمي، عز الدين ميداوي، إلى عقد اجتماع طارئ مع عميد الكلية ونائبيه، خُصِّص لبحث خلفيات ما سُمّي آنذاك بـ”الفضيحة” وتداعياتها المحتملة على سمعة المؤسسة.
وفي خطوة موازية لتكريس الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، جرى إحالة الملف على المفتشية العامة للوزارة من أجل فتح تحقيق إداري مستقلّ بالتوازي مع المسطرة القضائية. الاجتماع الوزاري كان يحمل أيضاً بعداً تطمينياً، حيث حرص عميد الكلية على التأكيد للطلبة أن الامتحانات والمسار البيداغوجي سيستمران بشكل عادي، رغم قرار توقيف الأستاذ المعني عن العمل وإيداعه السجن المحلي الأوداية بمراكش منذ 13 ماي 2025، في انتظار ما ستسفر عنه التحقيقات.
وفي خلفية هذا المسار القضائي، تكشف مصادر إعلامية أن المسار المهني للأستاذ قيلش كان موضوع نقاش وجدال داخل الأوساط الحقوقية والجامعية لسنوات، قبل التحاقه بكلية الحقوق بأكادير سنة 2013. ومع مرور الوقت، تحول ماستر “المنظومة الجنائية والحكامة الأمنية” إلى بؤرة شبهات خطيرة، بعد تزايد الحديث عن انتقائية في قبول الطلبة واتهامات بالزبونية في منح الشهادات، لصالح أسماء قيل إنها لم تلتزم بضوابط التكوين ولا بحضور الحصص البيداغوجية المطلوبة.
الشرارة التي أخرجت الملف إلى العلن جاءت، وفق الرواية المتداولة، بعد اعتراف أحد الأشخاص المدانين سابقاً بحصوله على شهادة الماستر مقابل مبلغ مالي، في سابقة اعتُبرت خطيرة من حيث دلالتها على احتمال وجود شبكة منظمة داخل محيط المسلك الجامعي المذكور. هذا التصريح كان كافياً ليدفع الفرقة الوطنية للشرطة القضائية إلى فتح تحقيقات موسعة، انتهت إلى توقيف الأستاذ وقريبته وأشخاص آخرين، وُضع بعضهم تحت المراقبة القضائية في انتظار تعميق البحث وترتيب المسؤوليات القانونية.
ومع اقتراب موعد أولى الجلسات، تبدو القضية مرشحة لأن تصبح اختباراً حقيقياً لصلابة المنظومة القانونية في مواجهة كل ما من شأنه المساس بنزاهة التعليم العالي واستحقاق الشواهد الجامعية. وبين قاعة المحكمة وأروقة الجامعة، يترقّب كثيرون ما ستكشفه مداولات القضاء من تفاصيل، في ملف تتقاطع فيه أسئلة الأخلاق الجامعية مع مقتضيات القانون، وتنعقد عليه آمال في أن يكون نقطة تحوّل في معركة تطهير الجامعة من أي ممارسات تُحوِّل العلم إلى سلعة والشهادات إلى امتياز يُشترى ولا يُنتزع بالاستحقاق.





