
حسين العياشي
في الوقت الذي يواصل فيه المغرب مساعيه لتحسين مناخ الأعمال وتعزيز تنافسية اقتصاده، يظل النظام الضريبي الوطني، رغم الإصلاحات التي طرأت عليه في السنوات الأخيرة، مصدر قلق للكثير من المقاولات الصغيرة جداً والصغرى. إذ أشار المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى أن الإصلاح الجبائي الأخير، رغم أهدافه المعلنة، لم يحقق النتائج المرجوة في دعم هذه الفئة من المقاولات، بل على العكس، فاقم من أزماتها.
تعد هذه الإصلاحات التي شهدها النظام الضريبي المغربي منذ عام 2021 خطوة مهمة نحو تحديث الإطار الضريبي، لكن بعض التدابير الجديدة، على رأسها الرفع التدريجي للضريبة على الشركات، أثقلت كاهل المقاولات الصغيرة جداً والصغرى. فقد لوحظ أن بعض هذه المقاولات شهدت زيادة في معدل الضريبة، مما شكل عبئاً إضافياً على كيانات اقتصادية أصلاً تعاني من الهشاشة والضعف. في إطار هذه التعديلات، تم إقرار توحيد معدل الضريبة عند 20% للمقاولات التي يقل صافي ربحها عن 100 مليون درهم، على أن يتم تطبيق ذلك بحلول عام 2026. هذه الإجراءات، رغم ما تحمله من تسهيل وتوحيد، قد لا تكون كافية لمساعدة المقاولات الصغرى على التكيف معها، خصوصاً في ظل ظروف اقتصادية صعبة.
إضافة إلى ذلك، طالت التعديلات الأخيرة النظام الضريبي للمقاولين الذاتيين، الذين ظلوا يستفيدون من امتيازات ضريبية نسبية. فقد فرض قانون المالية لسنة 2023 قيوداً جديدة على هذه الفئة، من أبرزها فرض ضريبة موحدة بنسبة 30% على أي فائض من رقم المعاملات يتجاوز 80 ألف درهم سنوياً، وذلك على مقدمي الخدمات الذين يتعاملون مع نفس الزبون. هذه الإجراءات قد تدفع بعض المقاولات إلى التخلي عن العمل في القطاع المنظم، والتوجه نحو القطاع غير الرسمي لتجنب الأعباء الضريبية الثقيلة.
كما أشار المجلس إلى أن الدراسات المتعلقة بأثر الإصلاحات الجبائية تركز في الغالب على المداخيل العمومية، دون أن تعير اهتماماً كافياً لتأثيراتها على قدرة المقاولات على الاستمرار والنمو. بل إن بعض هذه التدابير قد تؤدي إلى نتائج عكسية، حيث يفضل البعض البقاء في نطاق المقاولات الصغيرة لتفادي الوصول إلى شريحة ضريبية أعلى، مما يحد من فرص توسعهم ويقيد إمكانياتهم الاستثمارية.
غير أن التحديات الجبائية ليست وحدها ما يعترض سبيل المقاولات المغربية، إذ يعاني قطاع الأعمال بشكل عام من عدة إشكاليات أخرى تتعلق بمناخ المنافسة واختلالات السوق. فالمقاولات الصغرى والمتناهية الصغر تجد نفسها في مواجهة منافسة غير مشروعة من قبل القطاع غير المنظم، الذي يقلص هوامش أرباحها ويحد من قدرتها على الابتكار والتطوير. هذه الممارسات تؤثر سلباً على القدرة التنافسية للمقاولات التي تحاول العمل في بيئة قانونية.
كما سلط المجلس الضوء على تأثير الفساد وضعف الشفافية في مناخ الأعمال، إذ أكد أن الممارسات الفاسدة ما تزال تمثل عقبة كبيرة أمام تنمية هذه المقاولات، وخاصة في مجالات منح الرخص والمأذونيات والصفقات العمومية. وأشار المجلس إلى أن نحو 68% من المقاولات تعتبر الرشوة منتشرة بشكل واسع، في حين أن نسبة المقاولات التي تقدم شكاوى لا تتعدى 6%، ما يعكس الفجوة الكبيرة بين الواقع والمأمول في مكافحة الفساد.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة في إطار الرقمنة والوقاية من الفساد، فإن هذه التدابير تبقى محدودة الأثر ما لم يصاحبها إطار قانوني ردعي شامل وفعّال. ويعتبر المجلس أن من الضروري أن تتضمن هذه المنظومة القانونية مكافحة جميع أشكال الفساد وفقاً لما نص عليه الفصل 36 من الدستور، من أجل استعادة الثقة في النظام الاقتصادي وتعزيز فاعلية الإصلاحات الجارية.
وفيما يتعلق بالمراكز الجهوية للاستثمار، رغم التقدم الملحوظ في بعض جوانبها، فإنها لا تزال بحاجة إلى تحسين الأداء من خلال تعزيز دورها كمراكز داعمة وشاملة للمقاولات، وليس فقط كمؤسسات مركزية تقتصر على تقديم خدمات جزئية.





