مناقشة ميزانية البرلمان تسقط أمام حرمة النواب.. بوانو يعلن الحرب على الصحافيين

حسين العياشي

انعقد مساء الجمعة اجتماع لجنة المالية والتنمية الاقتصادية لمناقشة ميزانية البرلمان للسنة المقبلة. بدل أن تُوجَّه البوصلة إلى أولويات الإنفاق وإصلاح مكامن الهدر في ميزانيتي مجلسي البرلمان، اختار عبد الله بوانو أن يغردّ خارج سياق اللحظة، ليفتعل معركة جانبية مع الصحافيين. لحرّف بذلك النقاش عن مساره الطبيعي، رافعاً شعار “استهداف البرلمانيين”، وكأنّ المشكلة في عين الرقيب لا في أداء المراقَب.

منطق بوانو، الذي يرفض تعقّب الصحافيين النواب والنائبات داخل أروقة المؤسسة التشريعية، واصفًا المشهد ب”وكأننا داخل محلبة”، يعيدنا خطوةً إلى الوراء في بلد ما زال يجاهد لترسيخ الشفافية داخل مؤسساته. إذا كان البرلمان بيتَ الأمة، فالقاعدة البدهيّة أن تظلّ أبوابه مفتوحة لعيون الجمهور عبر الصحافة، لا أن تُستبدل المساءلة بعتبٍ على عدسة كاميرا. فالتعلّل بـ”خصوصية العمل البرلماني” يصبح ترفاً حين تتحوّل الجلسات إلى مشاهد يأكل فيها نواب تحت القبة أو يستسلمون للنوم، ثم يُطلَب من الرأي العام غضّ الطرف احتراماً لـ”حرمة البرلماني”.

القول بأن النقد “ترصّد شخصي” لا يصمد أمام حقيقة أن التغطية الصحافية داخل مؤسسة تمثيلية، هي امتداد لحق المواطنين في المعرفة. ما يربك سير الممارسة السياسية حقاً، ليس وجود الصحافيين، بل أداءٌ متهافت يفرّ من الحساب إلى خطاب الضحية. وعوض أن يكون النقاش المالي لحظة اختبار للنجاعة والشفافية، انتهى إلى محاضرة في آداب التقاط الصور وحدود الكلام، كأنّ حماية الهيبة تُستعاد بإسكات الميكروفونات لا برفع منسوب المسؤولية.

الخلاصة أن الانزعاج من الكاميرا، لا يعالج علّة الميزانية ولا يرمّم الثقة. من يريد صون صورة البرلمان يبدأ بصون سلوكه تحت القبة، ويقبل أن تُرى الحقيقة كما هي: نقدٌ مشروع يضيء العيوب خيرٌ ألف مرة من صمتٍ يجمّلها. أما تحويل الانتباه عن جوهر الاجتماع إلى خصومة مع الصحافة، فليس سوى محاولة بائسة لإخفاء الأسئلة التي لم تُجب بعد: أين تُنفق الموارد، ومن يحاسب عندما تتهاوى المعايير؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى