منح الجمعيات تفجّر غضب المنتخبين بالدار البيضاء وتضع حكامة المجلس تحت المجهر

حسين العياشي

تحوّلت قاعة مجلس جماعة الدار البيضاء، خلال إحدى دوراته الأخيرة، إلى فضاء مشحون بالتوتر والاصطفاف، بعدما فجّر ملف توزيع منح الجمعيات الثقافية والرياضية برسم السنة الجارية نقاشًا حادًا بين مكوّنات المجلس، كشف عن عمق الخلافات الكامنة حول طريقة تدبير الدعم العمومي وحدود الشفافية في صرفه. فمبلغ إجمالي لا يتجاوز 400 مليون سنتيم، كان كافيًا لإشعال سجال سياسي وأخلاقي، تجاوز الأرقام ليطال جوهر الحكامة المحلية ومعنى العدالة في توزيع الموارد.

منذ اللحظات الأولى للنقاش، بدا واضحًا أن المسألة لا تتعلّق فقط بقيمة المنح، بل بالمنطق الذي يحكم توزيعها. عدد من المنتخبين لم يُخفِ امتعاضه من المعايير المعتمدة، معتبرًا أنها غامضة ولا تستند إلى أسس موضوعية، بل تفتح الباب، بحسب تعبيرهم، أمام منطق الانتقاء والمحاصصة، في مدينة يُفترض أن يكون فيها الدعم الثقافي والرياضي رافعة حقيقية للتنمية الاجتماعية وليس أداة لتصفية الحسابات أو كسب الولاءات الانتخابية.

في خضم هذا الجدل، ارتفعت أصوات تصف الغلاف المالي المرصود بـ”الهزيل” قياسًا بحجم الدار البيضاء وطموحاتها، وبحجم الأدوار المنتظرة من الجمعيات النشيطة في أحياء المدينة. فكيف، يتساءل بعض الأعضاء، يمكن لجمعيات ثقافية ورياضية أن تؤطر الشباب وتؤسس لمشاريع مستدامة بميزانيات محدودة لا تكاد تسد تكاليف التسيير الأساسية؟ بل إن هذا الدعم، في صيغته الحالية، لا يرقى، في نظرهم، إلى مستوى الاستثمار في الرأسمال البشري، بقدر ما يظل مجرد إعانات رمزية بلا أثر ملموس.

ولم يتوقف النقاش عند حدود القيمة المالية، بل امتد ليطال عدالة التوزيع نفسها. فقد اعتبر منتخبون أن المعايير المعتمدة لا تعكس “الوزن الحقيقي” للجمعيات ولا تأثيرها الفعلي في محيطها الاجتماعي، ولا تأخذ بعين الاعتبار تاريخها، ولا نوعية برامجها، ولا قدرتها على خلق إشعاع ثقافي أو رياضي مستدام. وهو ما يعمّق، حسبهم، الإحساس بالغبن لدى جمعيات تشتغل في الميدان طيلة السنة، لكنها تجد نفسها في نهاية المطاف على قدم المساواة مع كيانات موسمية أو شبه غائبة.

هذا الاحتقان داخل المجلس تواكبه، في الخارج، مخاوف متزايدة في أوساط الفاعلين الجمعويين والمتتبعين للشأن المحلي، من أن يتحول الدعم العمومي إلى ورقة سياسية تُستعمل عند الحاجة، بدل أن يكون أداة لتشجيع المبادرات الجادة. فغياب الوضوح في المعايير، وضعف آليات التتبع والتقييم، يطرحان علامات استفهام حول الأثر الحقيقي لهذه المنح، وحول ما إذا كانت تخدم فعلًا أهداف التنمية الثقافية والرياضية أم تكتفي بإعادة إنتاج نفس الاختلالات.

وسط هذا المناخ المشحون، تتعالى الدعوات داخل المجلس لاعتماد مقاربة جديدة، تقوم على الشفافية وربط الدعم بتقييم دقيق للمشاريع، وبتحديد مؤشرات واضحة للأداء والنجاعة، بدل الاكتفاء بتوزيع مبالغ محدودة لا يُعرف أثرها ولا مردودها على المدينة وساكنتها. كما يُطالب منتخبون بإعادة النظر في مساطر الانتقاء، بما يضمن تكافؤ الفرص ويقطع مع كل شبهة استغلال سياسي للمال العمومي.

وبين شدّ وجذب، يبدو أن ملف منح الجمعيات مرشّح ليظل أحد أكثر الملفات حساسية في أجندة مجلس جماعة الدار البيضاء خلال المرحلة المقبلة، ليس فقط بسبب قيمته المالية، بل لأنه يختزل إشكالية أعمق تتعلق بثقة الفاعلين في تدبير الشأن المحلي، وبقدرة المؤسسة المنتخبة على تحويل الدعم العمومي من عبء مثير للجدل إلى أداة فعالة لخدمة المدينة وساكنتها، في انتظار مراجعة شاملة تعيد لهذا الملف توازنه ومصداقيته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى